تفرّدت مملكة البحرين منذ بداية عهد جلالة الملك الزاهر بسياسة مغايرة عن تاريخها السابق، وكذلك سياسات دول الجوار في منطقتنا، وهذا التفرّد كان أساسه ميثاق العمل الوطني، فلم يحدث في تاريخ البحرين أن اجتمعت كافة طوائف الشعب ومكوناته لكي تضع وثيقة للعلاقة بين القيادة والمجتمع تُحدد مرتكزات الحكم الرشيد، الذي ارتضاه الشعب باستفتاء نزيه شهد به العالم أجمع.

وليس بجديد أن نتحدّث عن هذا اليوم المحوري في تاريخ مملكتنا العزيزة، فهو يوم التأسيس ونقطة البداية لمرحلة جديدة من مستقبل وطن قرر أبناؤه أن يلتفّوا حول قيادته ويعاونوها في صياغة عقد اجتماعي يرضي كافة الأطراف ويجمع المختلفين معاً على مصلحة الوطن بوضع هذا العقد مفتوح المدة، باعتباره شهادة ميلاد جديدة لمولود اسمه مملكة البحرين.

لقد كان جلالة الملك حفظه الله ورعاه، من الحكمة الكبيرة في أن يضع مفاتيح أبواب المستقبل بين أيدي الشعب لكي يتحملوا مسؤولية عظيمة في إيجاد علاقة غير مسبوقة بين حاكم لدولة في منطقة الخليج وبين شعبه، والفريد في هذا الأمر أنها كتبت بأقلام الشعب ولم تفرض أو تعرض عليهم ليوافقوا أو يرفضوا، بل كانت نتاج تلاقح أفكار النخبة من جميع الأطياف فأنتجت الثمرة التي مازلنا ننهل خيرها حتى اليوم وللأجيال القادمة إن شاء الله.

ولعلّ ما يلفت نظري في ميثاق العمل الوطني كمصرفية ونقابية، هو مبدأ الحرية الاقتصادية الذي أيضاً وضع الأمر بين يدي الشعب، حين أكد على أن النظام الاقتصادي في المملكة قائم على المبادرة الفردية وحرية رأس المال، وتأكيده على دور القطاع الخاص في تنمية الموارد، وقد يقول البعض إن هذا النظام كان موجوداً من قبل، لكن الميثاق وضع مبادئ الشفافية وجودة الخدمات، وأكد على أهمية مواكبة التشريعات لمستجدات العصر وشيّد لبنة الحوكمة.

إن ما تحقق اليوم من إنجازات كبيرة كان أهمها في الآونة الأخيرة قُدرة البحرين على تجاوز مشكلات العمل عن بُعد، بتوفير خدمات إلكترونية ضخمة يُعد أحد إنجازات الميثاق، وقد لا يدرك المواطن حجم العمل الذي أنجزه أبناء الوطن لكي تستمر الحياة بوتيرتها الطبيعية دون تعطّل المصالح أو ارتفاع الإصابات بكورونا، لكنها في الأعراف الدولية نجاح لا مثيل له حتى في أكثر دول العالم تقدماً، فتحية لمن وضعوا أسس الميثاق الأحياء منهم ومن رحلوا عن دنيانا.