بشأن تقارير ديوان الرقابة المالية والإدارية، فإنني شخصياً أتطلع كل عام إلى الخطوات والتوجيهات التي تصدر عن صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد ولي العهد رئيس الوزراء حفظه الله بشأن التعاطي مع الملاحظات الموجودة في التقرير.

هذا الأمر ذكرته مراراً، وتحديداً حينما يصدر التقرير ويُسلم للقيادة، والسبب يعود إلى الشواهد التي وثقتها السنوات العديدة الماضية، والتي تبين أن تحركات وتفاعل الأمير سلمان بشأن هذه التقارير تكون متقدمة بفارق كبير جداً عن تحركات الجهة التي تمتلك حقاً أصيلاً في المراقبة والمساءلة والمحاسبة، وأعني بها هنا مجلس النواب.

ما يحصل لدينا من تعاط يبين أن الحكومة تقوم بدورها في هذا الجانب، تتسلم التقرير، وتوجه كافة الوزارات والجهات الحكومية لتصحيح ما تتضمنه الملاحظات الإجرائية وحتى الإدارية، ويقوم ديوان الرقابة بمتابعة تنفيذ التوصيات مع كافة الجهات، وبمتابعة هذه العمليات على امتداد السنوات، هناك توثيق دائم لعمليات التصحيح بما يثبت قيام أغلب الجهات بالتعاطي الإيجابي مع الملاحظات وتصحيح كثير من الأمور. أيضاً تقوم الحكومة عبر توجيهات الأمير سلمان باتخاذ إجراءات قوية وصارمة بحق المخالفات التي تستدعي المحاسبة القانونية، وهناك بالإمكان وبكل سهولة الرجوع إلى عديد من القرارات والتوجيهات التي صدرت عن الأمير سلمان بإحالة مخالفات عديدة إلى النيابة العامة، وآخرها ما صدر قبل يومين من إحالة مخالفات معنية بنادي سباقات السرعة إلى النيابة. هذا الاهتمام من الأمير سلمان وهذه التوجيهات، هي أمور تثلج صدر كل شخص يحسب نفسه على المشروع الإصلاحي لجلالة الملك حفظه الله، بل نتمنى أن تزيد وتكثر عمليات اتخاذ الإجراءات هذه بشأن كل مخالفة جسيمة، بحيث يشكل الإجراء والتوجيه من قبل رئيس الحكومة رادعاً لكل من يتساهل في أداء مهمته، ومن يتساهل في الالتزام بأمانة المنصب ومسؤوليته.

لكن المفارقة هنا، كعادة كل عام، هي التعاطي السلبي من قبل مجلس النواب مع تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية. هذا التعاطي الذي بدأت وتيرته تقل تدريجياً حتى وصلنا إلى آخر تقرير والذي بشأنه لم نسمع «لا حس ولا خبر» من النواب، بل حتى الوعيد الكلامي على صفحات الجرائد ووسائل الإعلام للمتجاوزين والمخالفين من الجهات قد يكون اختفى تماماً. وللتوضيح لست أتحدث فقط عن المجلس الحالي مع الاحترام الشديد لكل أعضائه بحكم كراسيهم التي أوصلهم إليها الناخبون، بل أتحدث عن مجالس نيابية عديدة تغيرت تشكيلاتها طيلة السنوات الماضية، وكلها للأسف لم تستفد الاستفادة المثلى من التقرير المتعوب عليه من قبل كوادر ديوان الرقابة، إذ لم نجد تلك المحاسبة القوية، ولم نجد «الاهتمام الجدي» بالتقرير بحيث توقف الأخطاء والتجاوزات في الجهات المعنية، بقدر ما كنا نجد الاهتمام بالاستعراض الإعلامي، ونقولها بصراحة وبدون زعل «استعراض»، إذ لو كان خلاف ذلك لرأينا العديد من مواقف المساءلة والمحاسبة التي قد تقود حتى لطرح الثقة عن مسؤولين، لكن هذا لم يحصل.

نعود ونكرر السؤال الذي طرحناه عشرات المرات: لماذا أنشئ ديوان الرقابة المالية والإدارية؟ ولماذا يصدر تقرير سنوي ضخم يرصد المخالفات والتجاوزات الإدارية والمالية؟ والإجابة بسيطة جداً، إذ البحرين بمشروعها الإصلاحي ورؤيتها الاقتصادية تسعى لتقوية عمليات التصحيح والتصدي للأخطاء كافة، وإبدال القصور بالنجاح والكمال، وهذا لا يحصل إلا من خلال الإصلاح المستمر ومتابعة الأداء، والتذكير دائماً بأن مواقع المسؤولية أمانة، وأن تسيير كافة العمليات بحرص ومثالية هو الأساس للحفاظ على المال العام للدولة وكذلك للحفاظ على الطاقات البشرية في هذا الوطن العزيز.

شكراً للأمير سلمان لأنك تضرب دائماً في مجال المسائلة والمحاسبة والإصلاح أروع وأرقى الأمثلة الإدارية والقيادية، ويا ليت الكثير في وطننا يتعلم منك ويسلك هذا النهج.