لن نقول الجميع، لكن الغالبية من سكان هذا الكوكب، وتحديداً من الأشخاص العاديين البعيدين عن صناعة القرار لا يتمنون إطلاقاً نشوب ووقوع «الحروب»، لأنها في النهاية توقع بضررها على الفرد البسيط الذي سيقف بلا حول ولا قوة بينما كل شيء من حوله يتدمر، أو على أقل تقدير يتأثر.

بالتالي ما يحصل في شأن الوضع الروسي الأوكراني والتعاطي الدولي الذي تتغير معطياته بشكل سريع جداً، وكأنه يقدم لنا أرضية استباقية على إمكانية وقوع حرب عالمية ثالثة، حتى لو كان أحد الأطراف ممثلاً بثلاث قوى فقط.

طبعاً نتحدث عن الصين وكوريا الشمالية اللتين أعلنتا موقفهما الداعم الصريح لروسيا في ما أقدمت عليه، وكلتاهما تملكان القدرات العسكرية والأخطر من ذلك القدرات النووية. وفي المواجهة تكمن أغلب القوى العالمية والتي يتزايد بشكل مطرد أعداد المنضمين للمعسكر الرافض لقرار الرئيس فلاديمير بوتين القاضي بدخول أوكرانيا.

أمريكا التي وعدت حليفها الرئيس الأوكراني بحمايته «عسكرياً» تراجعت عن ذلك، وتحولت إلى «داعية» للتحشيد والتخندق الدولي وبالأخص لـ«الأوروبيين» من جيران روسيا، وذهبت كذلك إلى اليابان لتتفق معها، وهي تعمل الآن ليل نهار لتوحيد الجميع ضد روسيا، وفي النهاية ستتقدم المشهد دون أن تطلق رصاصة واحدة، بل ستستخدم سلاح الاقتصاد والمال والتجارة، والذين سيكون فعالاً إن كان أوروبياً في مقام أول، وهذا ما هو حاصل الآن.

بايدن هدد روسيا بعقوبات اقتصادية أمريكية، وهذا الكلام لم يحرك في بوتين ساكناً، لكن المعادلة قد تتغير الآن حينما تمضي الدول الأوروبية لاتخاذ خطوات مماثلة، والغريب في الموضوع أن اتخاذ القرار في الشأن الرياضي كان أسرع جداً بالنسبة للاتحاد الأوروبي الذي يتجه لمنع المنتخبات والفرق الروسية للعب في المنافسات المختلفة، ما يعني أن روسيا قد لا تشارك في كأس العالم القادمة حتى. القدرات العسكرية الروسية قوية جداً، وهي تملك ثاني أقوى جيش في العالم، لكن حتى هذا التفوق قد يؤثر عليه «السلاح الاقتصادي»، إذ لو توحد أعضاء الجبهة المقابلة وهم كثر وأعدادهم تزيد، فإن الروس سيجدون أنفسهم «مطوقين» بشكل غير مسبوق، وهي نتيجة يفترض أن تكون قد حسبت سلفاً من قبل السلطة الروسية ومع وضع سيناريوهات لمواجهتها؛ إذ برغم التبريرات الروسية لإجراءاتهم مع أوكرانيا والسبب الذي دفعها للدخول بقواتها، إلا أن غالبية العالم يرون ما حصل بمفهومه الحرفي الدقيق، ألا وهو دخول دولة لدولة أخرى بالقوة، وهو ما يخلق التعاطف مع الدولة المتضررة أقلها من الناحية الإنسانية، إذ كثير من الشعوب لا ذنب لها فيما يطولها جراء قرارات سياسية.

وعليه فإن التساؤل الهام يرتكز بشأن الموقف الروسي نفسه، إذ هل كان دخول أوكرانيا خياراً غير مدروس؟! أم إن هناك خطة رجعة ليمنع عملية تطويق روسيا اقتصادياً ورياضياً وحتى سياسياً كما نرى؟! هل المفاوضات التي انطلقت بالأمس ستحل كل هذا الوضع؟! وهل ستعود القوات الروسية لبلدها في حال صفيت جميع مسببات الخلاف مع أوكرانيا؟! وهل سيقبل الروس ببقاء الرئيس الأوكراني أم وجوب تغييره؟! بل هل روسيا باتت تملك صوتاً قوياً في مواجهة الجميع ومن خلفهم واشنطن، خاصة مع توقع صدور قرار بالأغلبية ضد موسكو في مجلس الأمن ليلة أمس؟! التساؤلات مفتوحة، والخيارات عديدة. هل ورط بوتين نفسه في أوكرانيا؟! أم إن أوكرانيا ستصبح «الفرصة» التي تنتظرها القوى الأخرى وأولها واشنطن لتكرر سيناريو سقوط وتفكيك الاتحاد السوفيتي مجدداً»؟!

المهم من ذلك كله أن يجنب الله العالم شر وقوع حرب ضررها سيطول الجميع لا محالة.