مثلما تطور كل شيء في العالم بفعل الاختراعات والأمور التقنية الحديثة فإن الجرائم الأمنية أيضاً تطورت، وأصبحت تواكب المتغيرات العالمية، وهي مسألة تضع «أمن المجتمعات» أمام تحديات جديدة من نوع آخر، وتفرض على المعنيين التحرك بجدية تجاه المواكبة والتأكد من السيطرة على الأمور بهدف ضمان أمن واستقرار المجتمعات والشعوب.

هذه نقطة بالغة الأهمية قد تغيب عن بال الكثيرين، ومن يثيرها وينتبه لها هنا لا بد من أنه شخّص الواقع الحالي وربطه باستشراف مستقبلي يحدد مدى خطورة تأثير هذه المسألة لو تركت دون تعامل جديّ، أو أقلها خطط بإمكانها التصدي للمخاطر بحيث تحفظ أمن المجتمعات وتمنع الضرر عن البشر.

هذه المسألة المهمة والملحة أثارها معالي وزير الداخلية الفريق أول ركن الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة في اجتماع مجلس وزراء الداخلية العرب، حيث أشار إلى الانتشار الكبير الحالي لـ«الجرائم الحديثة» التي تنوعت أساليبها وبات لا يقيدها بُعد جغرافي أو حدود، وذلك باستخدام التكنولوجيا الرقمية، وهو أمر ساعد في انتشار الجرائم الإلكترونية والرقمية، وهي عملية سهلت الوصول حتى إلى أفراد والتغرير بهم أو استغلالهم. الشيخ راشد أكد ضرورة تطوير المنظومات العربية الأمنية لمواجهة هذا النوع الجديد من الجرائم، ما يعني ضرورة تطويع هذه المنظومات باستخدام أحدث التقنيات الإلكترونية، وتعزيز التزام الدول العربية بحماية أمن بعضها البعض، والوقوف باتحاد دائم لعدم استغلال أراضي أي واحدة للتدخل في شؤون الأخرى، وفي النهاية التشديد على أهمية حماية المواطن العربي من كل ضرر يحيق به أو يستهدفه. اليوم حينما تفكر منظوماتنا الأمنية بهذه الطريقة، وتسعى لمواكبة المتغيرات الدائمة، فإننا نسير باتجاه صحيح بالقطع لضمان أمن واستقرار دولنا وحماية شعوبنا، وهو الهدف الأسمى الذي تسعى له منظوماتنا الأمنية العربية، وهي مسألة رأيناها تتجسد بجلاء عبر جهود وزارة الداخلية البحرينية، هذه الوزارة التي لم تكتفِ تحت قيادة الشيخ راشد بن عبدالله وفقه الله بضمان أمن البلد وحماية أهله والمقيمين فيه، بل تعدت ذلك لممارسة أرقى الأدوار الإنسانية في احتواء الناس وإعادة تأهيلهم ليكونوا عناصر إيجابية فاعلة في المجتمع.

ومن هذا المنطلق كان مميزاً جداً استعراض وزير الداخلية لإنجازات مملكة البحرين في هذا الجانب، إذ بقيادة جلالة الملك حفظه الله ومتابعة سمو ولي العهد رئيس الوزراء أيده الله، قدمت البحرين ممثلة بوزارة الداخلية أحد أرقى النماذج العربية في عمليات «الإصلاح الإنساني» الخاصة بالمحكومين والسجناء، فانطلاقاً من البرامج التأهيلية العديدة التي طبقت منذ سنوات في مراكز الإصلاح والتأهيل، وصولاً إلى النقلة النوعية الكبيرة التي حققت صدى عالمياً واسعاً ممثلة بتفعيل «العقوبات البديلة» و«برنامج السجون المفتوحة»، والهدف من كل ذلك مثلما بيّن وزير الداخلية أمام أقرانه الوزراء العرب هو «إصلاح المحكومين وتأهيلهم وإعطاؤهم فرصة لتصحيح سلوكهم من أجل إعادة دمجهم في المجتمع».

كل هذه الإنجازات وغيرها من أفكار نيرة في المجال الأمني تؤكد المستوى المتقدم التي وصلت إليه منظومتنا الأمنية في مملكتنا الغالية، فشكراً لكافة الجهود المخلصة.