عادة ما تكشف الأزمات السياسية والعسكرية الكثير من نقاط الضعف الاستراتيجية التي لا يمكن تلمسها أو الإحساس بها وقت الرخاء. فما دام ثمة استقرار سياسي وأمني في بلد ما، فهذا يعني -في الغالب- أن هذا البلد لم يُختبر بشكل حقيقي، ذلك لأنه لم يتعرض لصدمات أو هزات أو تحولات سياسية وعسكرية قاسية، أو حتى يتعرض لكوارث طبيعية، والتي بطبيعة الحال، ربما تكشف نقاط ضعفه.في ظل الأزمة الروسية الأوكرانية-الحرب- وتداعياتها على العالم، سيكون من المهم لنا أن نقرأ تداعيات هذه الأزمة بشكل مختلف. نعم، ربما نحن بشكل أو بآخر بمنأى مباشر عن الصراع العسكري الحاصل في شرق القارة العجوز، ومن المؤكد أن آثار الحرب العسكرية الحاصلة لن تصلنا بشكل مباشر كما ذكرنا، لكن، بإمكاننا أن نقرأ خطورة المشاهد من زوايا أخرى مختلفة.من المعروف أن غالبية الدول العربية لا تعتبر من الدول الزراعية الرئيسية والمهمة بالنسبة لدول العالم المنتج، وربما أيضاً هي ليست دول إنتاج أصلاً، إلَّا في حدود «الكَفَاف» والحاجة الملحة، إذ إن غالبية ما يصلنا من طعام وشراب وقمح وما إلى ذلك من السلع الاستهلاكية والغذائية الأولية، يصلنا من دول منتجة وزراعية، كروسيا وأوكرانيا المتنازعتين اليوم، كما تصلنا بقية موادنا الأساسية من الدول الحليفة لمعسكر هاتين الدولتين المتصارعتين، وهذا أخطر ما في الأمر.إن تطور الحرب الحاصلة بين روسيا وأوكرانيا سيلقي بظلاله الثقيلة للغاية على أمننا الغذائي والصحي والتكنولوجي وغيرها بشكل مباشر كعرب، حيث إن كل هذا «الأمان» هو أمان مستعار مع الأسف، ولعل من أبرز ما قد يصيبنا في مقتل، هو فقدان أمننا الغذائي. إن الدول والشعوب التي لا تستطيع توفير «القمح»، بل تستورده من دول متصارعة عسكرياً، يجب عليها إعادة النظر في أمنها الغذائي بشكل مباشر، فلا يمكن أن نتجنب آثار الحرب العسكرية، وفي ذات الوقت نقف عاجزين عن تجنب ارتداداتها الأخرى المهمة.لقد كتبنا هنا قبل أكثر من 15 عاماً، بأن علينا تأمين كل «الأمان». تأمين أمننا الغذائي بشكل كامل، وتأمين مياه شربنا، ودوائنا الذي يمدُّ في صحتنا، لمثل هذا اليوم الأسود. إننا كعرب في صراع مع الزمن، وربما نلهو في الوقت بدل الضائع لنكون في منطقة «الأمان الشامل»، خصوصاً مع أي تطور خطير قد يحدث في الأيام القادمة جراء الصارع الحاصل لا سمح الله. اليوم، علينا أن نزرع قمحنا وطعامنا وشرابنا بأيدينا ولو لمرة واحدة، ولا حل أمامنا سوى هذا «الحل الصعب».