مع بداية جائحة كورونا مطلع عام 2020 تناول عدد من الباحثين الإستراتيجيين أثر الوباء الذي كان في بدايته آنذاك على إمكانية تشكل نظام دولي جديد، وهذا النوع من الدراسات لا يهتم بما يثار في وسائل الإعلام بأنواعها أو بنظريات المؤامرة المتسرعة، إنما تهتم بفحص وقياس المعطيات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بمناهج استقصائية وتاريخية من خلالها يمكن استشراف معقول للمستقبل.
النظام الدولي من الصعب التنبؤ بصيرورته بشكل قطعي، وخصوصا أن أي نظام دولي مرتبط بمنظومة حضارية ذات طبيعة فكرية وفلسفية، غير أن الحضارة الحديثة التي كانت تسمى «الحضارة الغربية» بمكوناتها الفلسفية والقانونية هي التي تسود عالم اليوم، فالصين وروسيا واليابان والهند على سبيل المثال لا تقترح بديلاً فلسفياً أو قانونياً أو إدارياً مغايراً لما أنشأته الحضارة الغربية منذ القرن السابع عشر؛ لذلك النظام العالمي اليوم يتحرك بناءً على المصالح الاقتصادية بالدرجة الأولى، الأمر الذي يجعل الأوبئة من عوامل تغيير المشهد العالمي بدرجة أكبر من السابق، ويمكن مقارنة الأوبئة بالحروب التي تعتبر أسرع وسيلة لحسم موازين القوة، في حين أن الأوبئة والطواعين تحدث خلخلة مماثلة في موازين القوى لكن على الأمد البعيد. حصل ذلك للدولة الرومانية قبيل انهيارها في الشرق والغرب بعد أن ضربها طاعون «أنطوني» في القرن الثاني الميلادي ما زاد من جرأة القبائل الجرمانية شيئاً فشيئاً ومهد لسقوط الدولة الرومانية الغربية في نهاية القرن السادس الميلادي، وسقطت الدولة الرومانية الشرقية بنفس الطريقة بعد طاعون «جاستنيان».
من جانب آخر نعلم جميعاً أن الاتحاد السوفيتي سقط وتفكك بإعلان جورباتشوف استقالته بتاريخ 25 ديسمبر 1991، مسلماً السلطة للرئيس الذي تلاه بوريس يلتسن في اليوم الذي تلا استقالته، فنلاحظ أن لحظة الانهيار معلومة ومحددة بشكل واضح وصريح، إلا أن المعطيات التي سرعت الانهيار كانت قد بدأت بالفعل قبل ذلك بسنوات، ما مهد للولايات المتحدة الأمريكية أن تلعب دور القطب الواحد المهيمن على النظام الدولي، اللافت أن في تلك اللحظة التاريخية ذاتها كان في طياتها أسباب التراجع الأمريكي، فوجود المنافسة مع الاتحاد السوفيتي كان محفزاً على البقاء في الصدارة عسكرياً واقتصادياً، ومع انتهاء تلك المنافسة تبدأ الدول العظمى تفقد كياستها في الفعل السياسي والدبلوماسي والاقتصادي والعسكري، وتفقد بوصلتها الإستراتيجية، مقابل لغة الهيمنة والسيطرة. هذا ما حدث لبريطانيا العظمى والدولة العثمانية والدولة الرومانية وغيرها من الإمبراطوريات عبر التاريخ.
خلال الأسابيع الماضية وجدنا فلاديمير بوتين رئيس روسيا يعلن الحرب على أوكرانيا، كان ذلك بعد معاناة روسيا من الجائحة التي أحدثت خللاً في تركيبة السكان والقوى العاملة، أضف إلى ذلك انكفاء الدور الأمريكي حول العالم وخروجهم من أفغانستان، ربما كل تلك العوامل كانت السبب في حرب بوتين والاعتداء على أوكرانيا، وحالة السيولة والفراغ الإستراتيجي تلك تمنع الشعوب الأقل قوة من النهوض لتبوء مكانة على خارطة القوى الدولية، وربما لو كان العرب مهتمين لتشكيل حضور أقوى في المشهد الدولي لكان في الإمكان صناعة تاريخ جديد للمنطقة.
النظام الدولي من الصعب التنبؤ بصيرورته بشكل قطعي، وخصوصا أن أي نظام دولي مرتبط بمنظومة حضارية ذات طبيعة فكرية وفلسفية، غير أن الحضارة الحديثة التي كانت تسمى «الحضارة الغربية» بمكوناتها الفلسفية والقانونية هي التي تسود عالم اليوم، فالصين وروسيا واليابان والهند على سبيل المثال لا تقترح بديلاً فلسفياً أو قانونياً أو إدارياً مغايراً لما أنشأته الحضارة الغربية منذ القرن السابع عشر؛ لذلك النظام العالمي اليوم يتحرك بناءً على المصالح الاقتصادية بالدرجة الأولى، الأمر الذي يجعل الأوبئة من عوامل تغيير المشهد العالمي بدرجة أكبر من السابق، ويمكن مقارنة الأوبئة بالحروب التي تعتبر أسرع وسيلة لحسم موازين القوة، في حين أن الأوبئة والطواعين تحدث خلخلة مماثلة في موازين القوى لكن على الأمد البعيد. حصل ذلك للدولة الرومانية قبيل انهيارها في الشرق والغرب بعد أن ضربها طاعون «أنطوني» في القرن الثاني الميلادي ما زاد من جرأة القبائل الجرمانية شيئاً فشيئاً ومهد لسقوط الدولة الرومانية الغربية في نهاية القرن السادس الميلادي، وسقطت الدولة الرومانية الشرقية بنفس الطريقة بعد طاعون «جاستنيان».
من جانب آخر نعلم جميعاً أن الاتحاد السوفيتي سقط وتفكك بإعلان جورباتشوف استقالته بتاريخ 25 ديسمبر 1991، مسلماً السلطة للرئيس الذي تلاه بوريس يلتسن في اليوم الذي تلا استقالته، فنلاحظ أن لحظة الانهيار معلومة ومحددة بشكل واضح وصريح، إلا أن المعطيات التي سرعت الانهيار كانت قد بدأت بالفعل قبل ذلك بسنوات، ما مهد للولايات المتحدة الأمريكية أن تلعب دور القطب الواحد المهيمن على النظام الدولي، اللافت أن في تلك اللحظة التاريخية ذاتها كان في طياتها أسباب التراجع الأمريكي، فوجود المنافسة مع الاتحاد السوفيتي كان محفزاً على البقاء في الصدارة عسكرياً واقتصادياً، ومع انتهاء تلك المنافسة تبدأ الدول العظمى تفقد كياستها في الفعل السياسي والدبلوماسي والاقتصادي والعسكري، وتفقد بوصلتها الإستراتيجية، مقابل لغة الهيمنة والسيطرة. هذا ما حدث لبريطانيا العظمى والدولة العثمانية والدولة الرومانية وغيرها من الإمبراطوريات عبر التاريخ.
خلال الأسابيع الماضية وجدنا فلاديمير بوتين رئيس روسيا يعلن الحرب على أوكرانيا، كان ذلك بعد معاناة روسيا من الجائحة التي أحدثت خللاً في تركيبة السكان والقوى العاملة، أضف إلى ذلك انكفاء الدور الأمريكي حول العالم وخروجهم من أفغانستان، ربما كل تلك العوامل كانت السبب في حرب بوتين والاعتداء على أوكرانيا، وحالة السيولة والفراغ الإستراتيجي تلك تمنع الشعوب الأقل قوة من النهوض لتبوء مكانة على خارطة القوى الدولية، وربما لو كان العرب مهتمين لتشكيل حضور أقوى في المشهد الدولي لكان في الإمكان صناعة تاريخ جديد للمنطقة.