بقلم: د . حبيب النامليتي




يقول الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ «9» فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ «10» وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ «11»»، «الجمعة».

الجمعة ذلك العيد الأسبوعي لأهل المدينة الواحدة؛ حيث يجتمعون لأداء الصلاة والاستماع لأحكام الدين الحنيف، فترق قلوبهم، ويتقربون إلى ربهم، وبهذا الاجتماع تقوَّى اللحمة بين أفراد المجتمع، وهي كاسمها جمعة، سميت بذلك لاجتماع الناس فيها، والجمعة من أفضل الأيام، قال صلى الله عليه وسلم: «سيدُ الأيامِ يومُ الجُمُعةِ، فيه خُلِقَ آدَمُ، وفيه أُدْخِلَ الجنةَ، وفيه أُخْرِجَ منها، ولا تقومُ الساعةُ إلا يومَ الجُمُعةِ»، وفيها ساعة استجابة؛ قال صلى الله عليه وسلم: «فِي الجُمُعَةِ ساعَةٌ، لا يُوافِقُها عَبْدٌ مُسْلِمٌ قائِمٌ يُصَلِّي، فَسَأَلَ اللَّهَ خَيْرًا إلَّا أعْطاهُ»، ويشرع فيها الصلاة والسلام على الحبيب المصطفى والنبي المجتبى، فعن أوس بن أبي أوس رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أكثِرُوا عليَّ من الصلاةِ يومَ الجمعةِ، فإنَّ صلاتَكم معروضةٌ عليَّ».

إن صلاة الجمعة واجبة على المسلمين؛ فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمَا سَمِعَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عَلَى أَعْوَادِ مِنْبَرِهِ: «لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمُ - تركهم - الْجُمُعَاتِ أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ، ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنَ الْغَافِلِينَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

فإذا نودي بالنداء الثاني عند صعود الخطيب على المنبر أمِر المسلم بالسعي إليها، وهو سعي قلوب ورغبة لا سرعة بالأقدام؛ فإن المأمور في الصلاة أن يؤتى إليها بسكينة ووقار، وفيه إشارة إلى أن السعي يكون بجد ونشاط وعزيمة وهمة، واستعداد لها بالاغتسال والتطيب والتبكير في الخروج.

وقال تعالى: «وذروا البيع» أي: اتركوا كل الشواغل من المعاملات وسائر التجارات، فإذا دخلت المسجد ألقِ للخطيب سمعك، ولا تنشغل بكلام أو لعب؛ حتى تخرج من هذه الموعظة بزاد إيماني وافر.

ولا ريب أن الإسلام دين عمل؛ لكن العمل لا يحرم إلا في هذه الدقائق المعدودة، ثم تعود الحياة إلى طبيعتها، ويعود الإنسان ليحقق مصالحه بالعمل والبناء والنهضة وتعمير البلاد، واكتشاف ما في الأرض من خيرات، وابتكار وسائل تنمية مواردها.

ولهذه الآية سبب نزول، فعن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: «بينَما النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ يخطبُ يومَ الجمعةِ قائماً إذ قدِمَت عيرُ المدينةِ فابتدرَها أصحابُ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ حتَّى لم يبقَ منهم إلَّا اثنا عَشرَ رجلاً فيهم أبو بَكْرٍ، وعمر، ونزلت هذِهِ الآيةُ وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْهَا».

نسأل الله تعالى أن يرزقنا من فضله، وأن يوفقنا للقيام بالأعمال الصالحة كما يحب ويرضى.