د. حبيب النامليتي
قال تعالى: (وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً (17) عَيْناً فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا (18) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً (19) وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً (20) عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً (21) إِنَّ هذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُوراً (22) إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنزِيلاً (23) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً (24) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (25) وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً (26) إِنَّ هؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً (27) نَّحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلاً (28) إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً (29) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيماً (30) يُدْخِلُ مَن يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيماً (31)).الإنسان17-31
لكل عامل جزاء على عمله، وفي هذه الآيات ذكر ما أعده الله للأبرار، وإن من أعظم ما يجازى عليه المسلم الجنة التي أعدها الله لعباده المتقين، وهذا هو الفرح الأكبر، والفوز الأعظم للمسلم، لما يتلقى المسلمون بالله جزاء أعمالهم في دار المقامة دار الخلود، نعيم فيها:
أنهم يسقون شراباً في كأس مملوء من خمر الجنة، والشـراب ممزوج بالزنجبيل ليطيب طعمها، لا يقطع؛ فهي من عين تسمى سلسبيلاً؛ لسهولة مساغه، ويتلذذون بأنواع من المآكل والمشارب، وأما الخدمة فيخدمونهم غلمان دائمون على حالهم، لا يتغيرون، وتسـر لهم نواضرهم كأمثال اللؤلؤ المفرق المضـيء؛ لحسنهم وصفاء ألوانهم، ويلبسون أجمل الثياب (عاليهم ثياب سندس خضـر وإستبرق) ثياب من حرير غليظ ورقيق، ويحلون بأساور من فضة (وحلوا أساور من فضة). الإنسان: 21
وإذا رأيتهم -أيها النبي- رأيت نعيماً عظيماً لا يوصف؛ قصور فارهة، وبساتين فاخرة، وثمار يانعة دانية، تجري من تحتهم الأنهار، وأدنى أهل الجنة منزلة في الصحيح أن الله تعالى يقول لآخر أهل النار خروجا منها وآخر أهل الجنة دخولا إليها: إن لك مثل الدنيا وعشـرة أمثالها، ويقال لهم من باب التكريم: (إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا) فدخولكم الجنة جزاء إيمانكم، وعملكم مقبول عند الله.
نسأل الله الجنة التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من يدخل الجنة ينعم، لا يبأس ولا تبلى ثيابه، ولا يفنى شبابه، في الجنة ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشـر)، روح، ورب راض غير غضبان، وجوه ناضرة إلى ربها ناظرة، فرحة مستبشرة، تسعد بلقاء المولى.
ثم انتقلت الآيات مبينة مكانة القرآن، وأن الذي أنزله الله، ملك الملوك، وأمر الله النبي بعدم الاستجابة للكافرين فيما يطلبون، والصبر والمواصلة في الدعوة والتسبيح والذكر في كل الأوقات، وقيام الليل، ثم عللت الآيات أن من لا يستجيب فإنما ذلك بسبب محبة الدنيا العاجلة، ويتركون إمامهم يوما ثقيلاً وهو يوم القيامة، والله خلق الإنسان، وأحكم خلقه، واستكمل أعضاءه، والذي خلقهم كذلك لن يتركهم، ولو شاء الله لاستبدلهم بغيرهم، فمشيئة الله نافذة.
في هذه الآيات موعظة، فمن شاء اتخذ الطريق لمرضاة الله؛ فإن الله يدخل من اتبع ما جاء به في رحمته، والظالمين أعد لهم عذاباً أليماً.