رئيفة عبدالعزيز
انتشرت في الآونة الأخيرة عبارة «ماذا لو عاد معتذراً؟»، وقد أبدع الكثير في الإجابات المختلفة والمتميّزة حقيقةً، فقبول الاعتذار يعتمد على الطّرف الآخر، وعلى مفهوم التّسامح والتقبّل في منهج حياته.

ولكن لو أخذنا العبارة من منحى آخر وقلنا «ماذا لو لم أعُد معتذراً؟!».

نرى في مجتمعاتنا أصنافاً من الناس الذين قد نصفهم بالأشرار والأخيار والجهلاء، فلو تحدثنا عن الصنف الأول كالخبيث والاستغلالي وإلخ.. والثاني كالطّيب والمتسامح وإلخ.. والثالث كالجاهل والسّاذج وإلخ.. تلك الصّفات كفيلة لخلق شخصيّات متعدّدة ومختلفة لتضع أمامنا قصص وتجارب وخبرات نتعلّم منها.

فلو رأينا الصّنف الأوّل وهم الذين يستغلّون الصنف الثالث في سبيل تحقيق مصالحهم الشّخصيّة والسيطرة عليهم، فسوف نلاحظ أنّ الصنف الأوّل لا يعتذر إن أخطأ في حق الصنف الثالث أبداً، لأنّهُ يعرف مدى جهل الصنف الثالث في تقدير نفسه وعدم معرفته لحقوقه الشخصيّة في العلاقات، وذلك السّبب الذي يجعل منهُ إنساناً خائفاً ضعيفاً متعلّقاً في الطّرف الآخر متمنّياً رضاه.

أيّاً كانت تلك العلاقة.. فهذه الأسباب هي ما تُسهّل على الصنف الأوّل في التّعدي على حقوق الصنف الثالث، وبدلاً من أن يعتذر الأول للثالث، فهو يضع لهُ الأعذار والتّبريرات التي حرضتهُ على الخطأ في حقّه، ممّا يُشعر الصنف الثالث بالذّنب والاعتذار للصنف الأوّل وطلب السّماح منه ورضاهُ حتى لا يخسره.

وبتكرار هذا الأسلوب يعتاد الثالث على الاعتذار دائماً للأوّل بطريقة مذلّة ومُهينة لقيمة الإنسان وكرامته، ممّا يجعل الأول يبدو على ظاهرهُ الطيب والتّسامح في كلّ مرّة.

وتستمر الحياة هكذا ما بين الذليل والمُذلّ إلى أن يستفيق الصنف الثالث من جهله وسذاجته ويقف مع نفسه وقفة ويسأل نفسه «ماذا لو لم أعد معتذراً؟» ما لذي سيحصل إن لم أعتذر؟ ماذا سوف أخسر وماذا سوف أكسب؟

بعد تلك التّساؤلات سيُفتّح ذلك الباب المقفل في عقله، وسيشعر بقيمته وإنسانيّته، وسوف يبدأ بتطوير ضعفه إلى أن يُتأكّد أن ما كان يعتقده من مخاوف وخسران إن لم يعتذر!! ما هي إلا أوهام عزّزها الصنف الأوّل في داخله، وبعدها سيقول لن أعود معتذراً إلّا إن أخطأت.