منيرة جاسم المالكيمن المعلوم أن النباتات عنصر أساس في استمرار الحياة على وجه الأرض، حيث تمثل المصدر الأساس للغذاء ليس فقط للإنسان، بل لجميع المخلوقات بصورة مباشرة أو غير مباشرة، كما تساهم في امتصاص ثاني أكسيد الكربون وإنتاج الأوكسجين من خلال عملية التمثيل الضوئي. كذلك تحافظ النباتات على رطوبة التربة من خلال تخزين المياه في جذورها وسيقانها وتساهم بشكل كبير على حفاظ التوازن البيئي والأمن الغذائي وحماية كوكب الأرض من خطر زحف التربة والتصحر. تتيح الأشجار والنباتات بمختلف أحجامها وأنواعها فرصاً اقتصادية واستثمارية ضخمة في قطاعات عدة من أهمها الأغذية والأدوية، فبالإضافة إلى بيع الثمار والمحاصيل هناك عوائد مالية للمزارعين للعمالة في عدة مجالات غير الزراعة مثل الخدمات اللوجستية والتخزين ومبيعات الجملة والتجزئة وإدارة النفايات البيئية، والعديد من المجالات الأخرى التي تساند فكرة استهلاك المنتجات الصديقة للبيئة.لذلك هناك حاجة لتصنيف النباتات والأشجار حيث تلعب دوراً مهماً جداً في الاستدامة البيئية والتنمية والحفاظ على الأمن الغذائي. من خلال تصنيف النباتات والأشجار نتمكن من معرفة عوامل عديدة ومهمة مثل أنواع وصحة النباتات والأشجار، وصحة المحاصيل، وأماكن تواجدهم، وتقدير إنتاج المحاصيل لكل نبتة أو شجرة وغيره. ولكن أثناء التصنيف يجب أيضاً دراسة الأراضي المحيطة إن كانت خضراء فيجب دراسة الرقعة الخضراء وأنواع التربة إن كانت صالحة للزراعة أو لا وأماكن تواجد المياه لغرض الري وغيره. من الممكن التعاون بين الخبراء في قطاعات علوم الفضاء والاستشعار عن بُعد والزراعة والذكاء الاصطناعي لإنتاج أطلس نباتي وطني، يصنف كل النباتات والأشجار مع العوامل المذكورة مسبقاً.يمكن تطبيق مراحل تصنيف النباتات والأشجار من خلال أربع مراحل أساسية:أولاً: استخدام أجهزة مقياس الطيف الكهرومغناطيسي لإيجاد البصمة الطيفية لكل من النباتات والأشجار.ثانياً: الاستعانة بصور وبيانات الأقمار الصناعية ذات الدقة العالية وميزة تعدد النطاقات الطيفية لرصد النباتات والأشجار.ثالثاً: خلق نموذج للذكاء الاصطناعي في تسهيل عميلة التعرف والقياس من صور الأقمار الصناعية بدلاً من الطرق الشبه آلية.رابعاً: الاستفادة من عرض نتائج التصنيف في رسم العناصر الجغرافية والبيانية باستخدام نظم المعلومات الجغرافية بسرعة فائقة التي تساعد على فهم الأنماط والعلاقات والسياق الجغرافي لكل النباتات والأشجار وستكون أداة مهمة في تحسين الإدارة واتخاذ القرارات.- المستوى الأول: استخدام جهاز مقياس الكهرومغناطيسي "البصمة الطيفية":تصدر البصمة الطيفية عند تصوير الأجسام بأنواع خاصة من المستشعرات لكشف عن بعض مميزاتها التي لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة، لأنه كل الأشياء على سطح الأرض لها تركيبتها الكيميائية والفيزيائية الخاصة بها، بمعنى آخر بأن كل شيء له بصمة طيفية خاصة. تعمل أجهزة الاستشعار عن بُعد في نظام مشابه للعين البشرية، لكن العين البشرية حساسة فقط لموجات الأشعة المرئية في الطيف الكهرومغناطيسي، في حين أن أجهزة الاستشعار عن بعد حساسة لكل من موجات الأشعة المرئية وغير المرئية. لأن لون الأشياء والظواهر التي يراها الإنسان في الطبيعة تعتمد على كمية الضوء المرئي المنعكس منها. يمكن لأعيننا أن ترى فقط الجزء المرئي. ولكن أجهزة الاستشعار عن بُعد يمكنها التقاط النطاق الطيفي وأشكال أخرى من الطيف الكهرومغناطيسي والأشعة تحت الحمراء القريبة غير المرئية للعين البشرية. فباستخدام الاستشعار عن بُعد يمكننا مثلاً تقدير كمية الكلوروفيل الموجودة في النبات.تأتي مقاييس الطيف الضوئي على عدة أشكال، تغطي نطاقات أطوال موجية مختلفة. تتمتع هذه الأنواع من التقنيات بالعديد من المزايا التي تجعلها متفوقة على التقنيات التقليدية على سبيل المثال، شكل طيف الانعكاس يختلف باختلاف نوع الغطاء النباتي، هناك مئات من النباتات التي تتواجد على أراضي مملكة البحرين وكل واحدة من هذه النباتات لها تركيبتها الكيميائية الخاصة التي تجعلها مختلفة عن بعضها البعض. فعلى سبيل المثال، يمكن جمع عينات من نباتات بحرينية مثل أشجار الطماطم والتفاح والنباتات الورقية وغيرها الكثير التي تتميز كل منها بأطياف الانعكاسات الفردية واستخدام أجهزة مقياس الطيف الكهرومغناطيسي ليتم تحليلها ومعرفة البصمة الطيفية لها ويتم تخزين البيانات لاستخدامها لاحقاً.- المستوى الثاني: "الاستعانة بصور وبيانات الأقمار الصناعية":يتم أخذ بيانات البصمة الطيفية للنباتات ودمجها في برمجيات الاستشعار عن بُعد وتعريف كل صنف من النباتات. ومن خلال صور الأقمار الصناعية التي تلتقط بشكل دوري بأطياف متعددة "الأشعة تحت الحمراء القريبة غير مرئية للعين البشرية – المرئية - وأشكال أخرى من الطيف الكهرومغناطيسي" يتم تحليل الصورة الفضائية من قبل محللي البيانات الفضائية لاستخراج جميع أصناف النباتات ومقارنتها ببيانات البصمة الطيفية للنباتات لرصد وتصنيف جميع النباتات المزروعة على أراضي المملكة وأماكن تواجدها وصحتها وحجمها، وغيره الكثير في وقت واحد. وبدراسة "استخدام الأراضي / الغطاء الأرضي" يمكن عمل دراسة الملاءمة لربط أماكن وصحة النباتات والأشجار بالرقعة الخضراء وأنواع التربة إن كانت صالحة للزراعة أو لا، وأماكن تواجد المياه.- المستوى الثالث: "خلق نموذج الذكاء الاصطناعي":بدلاً من استخدام محللي البيانات الفضائية للطرق الشبه آلية في تحليل وتصنيف النباتات، من الممكن خلق نموذج الذكاء الاصطناعي لرصد والتعرف على النباتات من خلال بصمتهم الطيفية من صور الأقمار الصناعية، وذلك سيساهم في تسهيل مهام الرصد والتصنيف من ناحية خفض الموارد المالية والإدارية وتقليل استهلاك القوة العاملة ورفع دقة النتائج.- المستوى الرابع: "نظم المعلومات الجغرافية":يمتلك نظام المعلومات الجغرافية إمكانيات خاصة لربط الجوانب المرئية للنتائج المختلفة المستخرجة من تحليل قاعدة البيانات، ويسمح لمحلل البيانات الفضائية بعرض البيانات وفهمها وتفسيرها وتصورها بعدة طرق لتكشف عن العلاقات والأنماط والاتجاهات على شكل تقارير أو خرائط أو الرسوم البيانية، مما يسهل على صانع القرار أخذ القرارات اللازمة من ناحية التشجير والاستفادة من المحاصيل أو حتى تعريف الهوية النباتية البحرينية والمحافظة عليها وعلى البيئة بشكل عام، ولاستقرار الأمن الغذائي، وغيره.لذلك فإن الاستعانة بعلوم الفضاء ضرورة بالغة لتصنيف النباتات البحرينية بالبصمة الطيفية وتوثيقها في أطلس نباتي وطني دقيق قادر على توفير المعلومات للجهات المعنية ودعم جهودهم في تحقيق الاستراتيجية الوطنية للقطاع الزراعي.* مهندس ميكانيكي أول - الهيئة الوطنية لعلوم الفضاء