أميرة صليبيخ
عوالم القراءة والكتب لا تشبه أية عوالم أخرى تدخلها عندما تمارس هواية ما، وربما هذه هي الميزة التي يستلذّ بها القرّاء دون غيرهم ممن يمارسون هوايات أخرى. فبالرغم من أن القراءة لا تتطلب بذل أي مجهود جسدي، إلا أنها تكاد تكون الهواية الوحيدة التي تمارسها دون حركة تذكر، لكنها في الوقت ذاته تتطلب بذل مجهود عقلي كبير يجعلك تحفز حواسك وتوقظ عقلك الباطن ليستقي ويتشرب أكبر قدر من الكلمات والمعلومات.
القراءة ليست مجرد حركة آلية تمارسها من خلال تحريك عينك على الأسطر، وليست مجرد توجيه عقلي لمطاردة الكلمات والقفز بين السطور والعودة لبعض الصفحات السابقة، فهي الأمر الوحيد الذي تنزّل من السماء على لسان جبريل عليه السلام ليبلغ نبيه الكريم بها «اقرأ». فما لم تغيرك القراءة فأنت أساساً لست بقارئ.
فليس المهم أن تدخل في سباق لاهث مع الآخرين لتنهي 52 كتاباً في السنة بمعدل كتاب كل أسبوع، ولا أن تتباهى بعدد الكتب التي تقتنيها. العبرة الكامنة وراء الحث على تنفيذ هذا الأمر الرباني العظيم هي في اختيار جودة ما نقرؤه ونمضغه على مهل حتى تستوعبه عقولنا فنبدأ بالتغير للأفضل يوماً بعد آخر. القراءة ليست مجرد هوية عابرة تمارسها عند الشعور بالملل أو عند الحاجة للتباهي بالتصوير على منصات التواصل الاجتماعي، بل هي أسلوب حياة، ومسكين من تخلو حياته من القراءة لأنها ستكون حياة مُفرغة من الحياة. وكما يقول العقاد «أهوى القراءة لأن عندي حياة واحدة وحياة واحدة لا تكفيني والقراءة هي التي تعطيني أكثر من حياة».
الغالبية الآن وبفضل التقنية الحديثة والانفتاح على الآخرين من خلال وسائل التواصل الاجتماعي أصبحوا أكثر اهتماماً بالقراءة، فازدادت أعداد الحسابات المروجة للقراءة، وارتفعت أعداد الكتب المباعة والمطبوعة أيضاً، ولكن مع هذه الرغبة بالقراءة -خصوصاً لدى جيل المراهقين- سرعان ما يسقطون في فخ الكتب الرخيصة عديمة الجدوى والتي تعتبر هدراً للورق فقط، فيتساوى بذلك من قرأ ومن لم يقرأ، لأن رصيد العقل من الفائدة بعد انتهاء القراءة لا يساوي أي شيء يذكر.
يكمن الذكاء في حسن اختيار الكتب، فكثيرون يقرؤون، ولكنهم يعانون من الأمّية! فليس كل قارئ قارئاً، قد يكون قارئاً مجتهداً أو قارئاً مواظباً، لكنه في الأصل أمّي لأنه لم يتعلم بعد معنى القراءة الحقيقية، تلك التي تجعل الإنسان إنساناً.