د. عائشة الشيخ - استشارية نفسية ومدربة في تطوير الذات
تختلف في العادة نظرة الطفل والمراهق للأمور والأحداث التي يعيشها في حياته عن تلك النظرة المنطقية التي يدركها من حوله من الراشدين والمربين.
فالطفل حساس وشكاك وخواف وبحاجة دائمة للحب، ولتأكيد الأمن والأمان يستمدها ممن حوله من الكبار. حتى بالنسبة لحجم الواقع ومشاكله، فالطفل يرى العالم بصورة أكبر مما نتصوره، كونه صغيراً في الحجم، فالأماكن التي زرناها في طفولتنا تبدو مختلفة وصغيرة وضيقة عما شعرنا به عندما كنا أطفالاً صغاراً، ودفئ الصحبة التي شعرنا بها في طفولتنا وكانت تكفينا وتعطينا الأمان، تختلف تماماً عن متطلبات حاجاتنا الحالية لنفس المشاعر.
فعلى سيبل المثال، كانت ضمة الرفيق الصغير لك عند سقوطك على الأرض أثناء اللعب تعني لك الكثير وتجعل من هذا الصغير صديقاً وسنداً تلجأ إليه دون تردد في كل الظروف، وربما تختاره ليكون صديق العمر.
تختلف كذلك الطريقة التي يرى بها الطفل الصراعات العائلية والتي تنتهي في العادة بين الكبار بتواؤم، فيما يراها الصغير كحرب مستمرة ستحطم الأسرة؟ فيذهب بفكره لعواقب مضخمة ولنهايات مدمرة ولخبرات مشوهة يحملها في عقله الباطن كذكريات مؤلمة لتغير خارطة شخصيته، فيغفو في فراشه محملاً بالأثقال النفسية والمخاوف التي قد تصبح مخاوف شاذة إذا لم يحصل لها على إجابات وتأكيدات مطمئنة، نذكر منها التبول اللاإرادي، والخوف المرضي، والقلق المرضي، والاكتئاب، والوسواس القهري، والفوبيا الاجتماعية، وجميع أنواع الفوبيا الأخرى، وفقدان الثقة بالنفس والآخرين.
فالطفل الصغير يتأثر بما يكتسبه من تلقين في محيطه العائلي أو الأسري، فيتعلم البعض الحرص على التعاون والصدق والقيم والفزعة للآخرين، فيما يتعلم آخرون التهرب واللامبالاة، والكذب في محيط مختلف تماماً بسبب إهمال الوالدين أو الخيانة، أو بسبب الطلاق أو الانفصال أو لأي أسباب أخرى.
لذا تختلف طريقة التعامل لدى الأطفال فيما بينهم بالطريقة التي يرون بها الواقع، وتختلف كذلك التوقعات بناءً على خبرتهم وتلقينهم وتوجيههم النفسي والسلوكي في الأسرة.
وقد يضع هذا التباين المربون في المدارس في حيرة لاختيار الطرق المثلى التي لربما تنجح في تضييق الهوة السلوكية بين من تربى على القيم من الأطفال ومن تربى على كسر تلك القيم.
أذكر أن أحد الأطفال من الفئة المتربية قد أخبرني أنه قد شعر بالحرج من زميله عندما سأله عن سبب غيابه ليومين عن الدراسة، من باب الاهتمام وكان قلقاً على صحته، ولكن الزميل رد عليه بسخرية وتهكم قائلاً له «لا تكون فضولي كالحريم»! تأثر ذاك الطفل المحترم جداً من سخرية زميله ولم يستطع التركيز في باقي يومه الدراسي بسبب ضيقه النفسي.
وعندما أخبر المشرفة الاجتماعية عن ضيقة لردة فعل زميله، أخبرته المربية أنه طالب حساس وطيب ويجب ألا يهتم بسلوكيات زميله المثقل بالمشاكل النفسية بسبب وضعه العائلي.
كلمة أخيرة، أذيّل بها مقالي، نحن كآباء قد تشغلنا الحياة وكسب الرزق والشعور بتحقيق الذات عن الاستثمار النفسي والاجتماعي في أبنائنا، معتقدين أن ما نقوم به من تعليم أكاديمي وتربوي هو في الغالب رصيد كافٍ لهم كي يصبحوا أفراداً ناجحين في المجتمع، ولكن الحقيقة الاستثمار الذهبي هنا هو نوعية الوقت الذي نقضيه معهم وكمية الحب والتفهم والسعادة التي نزودهم بها والتي ستجعلهم أشخاصاً مستقرين نفسياً ناجحين اجتماعياً ومنتجين مجتمعياً.