أميرة صليبيخ


أولئك الذين غادرونا مسرعين، دون تلويحة يد أخيرة، ودون أي تنبيه ضمني بقرب الرحيل، تركوا ثقوباً في القلب والذاكرة، ولم يتمكن الوقت بأن يردم هذه الفراغات الموجعة، برغم جميع الذين قالوا بأن الوقت كفيل بأن ننسى. نحن لا ننسى أمواتنا أبداً بل نتعود أن نتعايش مع فكرة غيابهم الطويل، وأن وجودهم الفيزيائي هو الذي تغير فقط في حين أن الروح لاتزال باقية تحوم حولنا وتستشعرنا على نحو خفي نجهله. هذا الإيمان هو ما يبقينا متماسكين، ومتأملين لرحلتنا المشابهة لرحلتهم إلى العالم الآخر.

تعلمت من الأموات كثيراً من الأمور التي أود أن أشاركها الآخرين قبل أن أقع في فخ الموت أنا أيضاً.. كتبت عن وفاة أمي الكثير ولكني اليوم مع تجدد ذكرى وفاة الكاتب الفريد فريد رمضان، أود أن أكتب القليل عنه وفاءً لذكراه ولكل اللحظات الجميلة -رغم قصرها- التي قضيناها معه.

باغتنا موت فريد، لم نكن نتوقع هذه اللحظة أبداً، حيث تعرفت عليه قبل سنة وبضعة أشهر فقط من وفاته. كان بالنسبة لي اكتشافاً رائعاً مدهشاً، يفيض بالأحاديث والحكايات الشيقة التي توثق تاريخ بدايات الحركة الأدبية والثقافية في البحرين وجهود النخبة من الأدباء والشعراء آنذاك. كان يحكي معنا بكل أريحية عن همومه وهواجسه وأفكاره، وكيف يلُقي بها بشكل إبداعي عظيم بين دفتي رواياته. كان يأخذنا من أيدينا ويدخلنا عالمه الجميل حيث العدالة والمساواة والمحبة. لاتزال الكثير من الأسئلة والأحاديث عالقة في حنجرتي وتمنيت لو أني شاركتها معه حينها ولكنه القدر. لكني أستطيع القول - بالرغم من ذلك - أني كنت محظوظة بتكوين هذه الذكرى.

ما تعلمته منه فريد كأديب وكإنسان مبدع هو قيمة العطاء دون انتظار مقابل، والقدرة على نشر المحبة بين الآخرين، حتى لو لم نكن نعرفهم وربما لن نجتمع معهم مرة أخرى. كان يجيد أن يترك بصماته في حياة جميع من يعرفه. لم يكن مروره عادياً أبداً كان دائماً ما يفتح في عقلك وقلبك أبواباً لم تكن تعرفها وتود أن تطلّع على ما بداخلها. لقد احتوانا فريد رمضان كشباب، وكان يطبطب علينا بكلماته ويدعمنا بوقته وكان مستعداً للتعاون في مختلف الفعاليات والأنشطة حتى يضعنا على المسار الصحيح، وللأمانة قليلون هم الذين يتجشمون عناء هذه المسؤولية.

الموت علمني أن أكون مثله، قادرة على ترك أثر إيجابي، لأني لن أعلم أبداً في أي لحظة سأغادر هذا الوجود.