الدكتورة عائشة الشيخ - استشارية نفسية ومدربة في تطوير الذات تعتمد فكرة الذات لدينا بصورة كبيرة على مدى فاعلية علاقاتنا الإنسانية، فنتأثر سلباً وإيجاباً بتلك العلاقات في محيطنا الاجتماعي والتي تتضمن علاقات الحب والزواج والصداقة والعمل والعلاقات العابرة. فالعلاقات الإنسانية هي مرآة النفس التي ننظر إليها كل صباح عندما نبدأ تفاعلنا مع من حولنا، بدءاً من البيت مروراً بالشارع ومن ثم بالمدرسة أو الجامعة أو العمل.فعندما يتعلق الأمر بفهم أنفسنا يلعب التفاعل الاجتماعي دوراً أكثر أهمية مما ندرك، ووفقاً لعالم الاجتماع الأمريكي تشارلز هورتون كولي، يطور الأفراد مفهومهم عن الذات من خلال ملاحظة كيف ينظر إليهم الآخرين، وهو مفهوم صاغه كولي بمسمى «المظهر الزجاجي»، فالذات الزجاجية تعني ببساطة أن توجه كل شخص نحو نفسه هو انعكاس للطريقة التي يُعامل بها. فإذا شعرنا من خلال علاقاتنا الاجتماعية أننا مرغوبون، محبوبون، وناجحون وجذابون، سنتصرف على هذا النحو وستنعكس تلك المرايا الاجتماعية على فكرة الذات الخاصة بنا سلباً وإيجاباً.وفي سعينا للتفاعل الاجتماعي نصادف نماذج كثيرة من العلاقات البشرية يكون بعضها أصيلاً وقوياً وشامخاً وذا جذور عميقة كالجبال، لا يزيدها الزمن والمواقف إلا تأصلاً وثباتاً وعلواً. فيما يكون للبعض الآخر، صفة الوقتية والهشاشة وربما المصلحة وعدم الديمومة. وقد تخدعنا تلك العلاقات في البداية فنعتقد أنها علاقات أصيلة وصادقة وعميقة كتلك الشامخة القوية التي عهدناها، وقد تبدأ بالفعل تلك العلاقات الجديدة بتفاصيل مبهرة وبفاعلية كبيرة ولكنها لا تكاد أن تسقط وتتهاوى عند أول ضربة حقيقية من أمواج الواقع لتتبعثر بسرعة كقصور الرمال لتصبح آثراً من بعد عين.وعندما تسقط تلك العلاقات المبنية على المصلحة الوقتية فإنها تسحبنا معها إلى الأسفل فتتدنى لدينا فكرت الذات، لنتساءل بيننا وبين أنفسنا إن كنا نحن السبب في فشل تلك العلاقات أو إن كنا قد أخطأنا في شيء ما، وقد نلوم أنفسنا كثيراً لتلك الخسارة، وقد نحاول استعادتها بأي ثمن حتى لو خسرنا كرامتنا سواء من أجل الحب أو الزواج أو الصداقة. فتلك العلاقات الرملية قادرة أن تشوش فكرتك عن ذاتك، وتمتد بغيومها السوداء لتحطم نفسك من الداخل والخارج وتزرع لديك سحابة من التضليل لتلك العلاقات الحقيقية الجبلية الشامخة لدرجة تشعرك «أن الدنيا ليست بخير».لذا فعندما تدخل في علاقة إنسانية جديدة أعطِ لنفسك الفرصة في دراستها بتأنٍّ ودون تسرّع، واختبر مؤشراتها بواقعية وبدقة، دون شك أو ظلم لأصحابها. ولكن عند التأكد من هشاشتها، ضعها في حجمها الطبيعي معتبراً إياها مجرد علاقات هامشية عابرة، واترك الساحة ولا تستثمر فيها كثيراً آملاً في التغيير للأفضل، حتى لا يضيع وقتك سدى وتخرج من التجربة كسفينة ضيّعت الميناء.استشارية نفسية ومدربة في تطوير الذات