أمل الحربي
القهوة مشروب جميل ولها حضورها ومكانتها اجتماعياً وعالمياً، وهي بحد ذاتها حكاية وهناك أساطير حول اكتشافها، ويصبح الحديث بالأوساط الاجتماعية أجمل أثناء احتسائها، فالبعض يحب الحديث وهو يحتسي قهوته.

قرأت عن تاريخ القهوة وأنه قد حُيِكَتْ حول اكتشافها كثيرٌ من الأساطير.

يعود اكتشاف القهوة للقرن العاشر، ويمكن أن يكون قبل ذلك حسب القراءات التاريخية.

وفي نهاية القرن السادس عشر انتشرت القهوة للشرق الأوسط وتركيا وجنوب الهند وأفريقيا، وثم البلقان وإيطاليا، وثم للعالم، وأصبحت مشروباً يومياً لأغلب سكان الأرض. والقهوة الآن تخطّى عدد من يتناولها 2 مليار إنسان والعدد بازدياد، وأصبح لها معاهد لتدريس كيفية تحضيرها، وأصبح لها متخصصون لصناعتها، وأضيفت لها الكثير من النكهات.

حديثي اليوم ليس عن تاريخ القهوة، ولكني أحببت أن أعطي نبذة بسيطة عن تاريخها، وحديثي اليوم عن تأثير القهوة اجتماعياً، فقد أصبح وقت القهوة وقت اجتماع للعائلة والأصدقاء، وفي وقت الاستراحة بالعمل، وأثناء الدراسة، وأصبح الجميع يتحدثون عن أحداثهم اليومية ومواضيعهم ومشاكلهم مع القهوة، أصبحت هي صديق الجميع معهم أينما ذهبوا، وهذا جميل أن تجمع القهوة الكثير من الأشخاص حولها، ولكن للأسف أصبح البعض يبالغ ويعتبرها للتظاهر بطريقة مبالغ فيها، والبعض يتفنن بتناولها وأين يتناولها، ويبحث عن أغلى أنواع القهوة ويصورها، لا مانع من تصوير كوب القهوة، لكن ما أقصده لا أن يصل لحد الهوس المجتمعي، فأصبح من يشرب القهوة هو الراقي اجتماعياً، وأصبح بعض الأشخاص يظل ساعات على كوب قهوة واحد ويبرد، لماذا؟ لأن سعرها غالٍ، فيشتري كوباً واحداً ويظل ساعات على كوب واحد، وأصبح البعض يرى أنه لا يركز بعمله أو بأفكاره ولن ينجز شيئاً إلا إذا شرب كوباً أو أكواباً من القهوة. هي منبه قوي لكنها لا تجلب الذكاء والتركيز، فهذا يعتمد على الشخص وقوة ذكائه وتركيزه وحبه لعمله أو دراسته، والبعض أصبح يقلّد شخصاً آخر يحتسي القهوة كبرستيج كما يقال، أعني أن القهوة تعدّت كونها مشروباً عادياً لظاهرة اجتماعية تفاخرية.

جميلٌ احتساء القهوة وافتتاح محلّ لشرب القهوة وإضافة نكهات للقهوة واختيار النوع المميز، لكن ليس لحد التفاخر بمن يحتسي أغلى قهوة، وأن من لا يحتسيها نهائياً يعتبر غير متطور وليس مواكباً للنهضة المجتمعية الراقية، أو لا يستطيع التركيز بحياته وعمله إلا باحتساء القهوة حتى لو لم يحبها وذلك فقط لمجاراة المجتمع بكوب أو أكواب من القهوة.

نستطيع أن نكون معتدلين بالحياة حتى وقت المأكل والمشرب، فهناك أشخاص تطلب فائضاً عن حاجتها من الطعام والقهوة ولا يتناولونه، هي فقط للتصوير والتباهي، في أين تناول قهوته؟ وكم سعرها؟ وهذا استهلاك زائد وإسراف، فهناك من لا يجدون كسرة خبز، فالطعام نعمة، والصحة نعمة، والكلام نعمة، والتركيز نعمة، لذا يجب أن نحافظ على هذه النعم ونوازن باستخدامها.

لا نجعل كل ما في الحياة ظاهرة والتفاخر بالتصوير مع أغلى حقيبة أو أغلى كوب قهوة أو أغلى مطعم أو أغلى بلد، دع حياتك لك لا تشارك لحظاتك جميعها مع الآخرين، دع لك خصوصية فليست الشهرة بكوب قهوة غالٍ أو مكان غالٍ أو طعام غالٍ، بل بالإنسان نفسه وقيمته وعقله وذكاؤه وإنجازاته المميزة التي يفتخر بها هو ومجتمعه، ونقطة على السطر.