أميرة صليبيخ


الفكرة التي لا تكتبها تظل تزعجك كذبابة تحوم داخل رأسك، فتسبب لك القلق وتفتح عليك أبواب التفكير، خصوصاً إن كانت فكرة سلبية، وكلما تعمقّت فيها ستجد أنك قد جُرفت بعيداً عن نفسك وأصبحت تسبح مع مئات الأفكار التي لن تُرجعك إلى بر الهدوء والسكينة مجدداً. هكذا تفعلُ بنا الأفكار وزحمتها وكأنها في سباق ماراثوني حتى تتكاثر وتتأصل فيك.

يقول الخبراء أن الإنسان يفكر في يومه 50 ألف فكرة، تشّكل الأفكار السلبية ما نسبته 70-80% منها، وهو رقم قد يكون مبالغاً فيه، ولكن إن صحّت هذه الأرقام حقاً فنحن واقعون في دوامة البؤس والشقاء من فرط التفكير.

الإنسان مخلوق ضعيف تهزمه فكرة أو قد تقتله، قد تقيده فكرة ما لسنوات وقد تعذبه وتنهش قلبه، الأفكار تشكل الإنسان وتعيد خلقه مرة بعد أخرى في كل يوم، ولا ينجو من هذه المصيدة سوى الإنسان الذي يقرر في كل يوم أن يختار بوعي جودة الأفكار التي تدور في رأسه. ولكن في أغلب الوقت نحن لا نعرف حقاً ما الذي يجري بداخل رؤوسنا وكأنها ليست لنا، كأن هناك برنامجاً مثبتاً في الخفاء يعمل دون إدراك منا ويسيرنا وفق هواه.

أتخيل شكل الأفكار السلبية في رأسي، كأنها مجموعة من الكائنات المدورة، في حركة اهتزازية مستمرة لا تهدأ، تحاول الخروج بأية طريقة. وفي الغالب أكثرها وُجدت وتكاثرت دون علم مني. ما أعرفه فقط هو أنها هنا تمارس دورها في إضافة المزيد من القلق إلى حياتي، لكن في اللحظة التي أمسك بها القلم لأكتب وأفرغ رأسي منها أرى هذه الكائنات المدورة المعششة تبدأ في التجلي والظهور على سطح الورق، في هذه اللحظة فقط أستطيع أن أتخلص من قبضتها علي وعلى حياتي. الكتابة تحررنا.

فنحن محاصرون بأفكارنا ولا سبيل للهروب منها أو وقف التفكير بها، فهي ليست كقطع الملابس يسهل انتزاعها وتبديلها، الأفكار مقيمة بداخلنا، فنحن: هي.

أتذكر اقتباساً للروائي فرانز كافكا مخاطباً حبيبته ميلينا يقول فيه «مجرد أن أكتب لك يهدأ عقلي». هذا ما تفعله بنا الكتابة، تعيد ترتيب الأفكار، وتجعلك مع الوقت تهدأ وتستعيد طبيعتك، وتلُقي بالأفكار الزائدة عن الحاجة خارج رأسك. عليك أن تتعلم مهارة السيطرة على أفكارك حتى لا تنتهي بأن تسيطر هي عليك. ولا شي أفضل من الكتابة والقراءة لتهذيب أفكارك الجامحة واستعادة هدوء عقلك.