أميرة صليبيخ


في غمرة هذه الحياة الماراثونية اللاهثة خلف كل شيء ولا شيء، يصبح ترتيب الفوضى الداخلية أمراً أشبه بالمستحيل. ومع تواتر الأيام بالنمط ذاته وانقيادك في دوامة الروتين العقيم، تبدأ في فقدان بعض من ذاتك وتنسى بمرور الأيام التواصل معها، حتى تصبح غريبة عنك وكأنها ليست أنت. وكلما انخرطت في فوضى العالم الخارجي ستكتشف أن أصل هذه الفوضى يأتي من داخلك. يأتي منك وحدك.

فعندما تجد أنك تائه في وسط الطريق، وأن حياتك لا معنى لها، يصبح لديك شعور عميق بالأسى على نفسك، وتكون في ورطةٍ حقيقيةٍ لأنك الآن غير قادر على إنقاذ نفسك من نفسك، وتحتاج يداً لتساعدك وتضعك على الطريق الصحيح مرة أخرى.

الغالبية العظمى ممن حظيتُ بفرصة للحديث معهم والحديث حول أحلامهم المستقبلية، وجدتهم في وضع «الانتظار» بأن يأتيهم «المنقذ» الذي سيجعل لحياتهم معنى فتراهم يتعلقون بالأشخاص الخطأ والأهداف الخطأ تحت ذرائع ليست واقعية.

في الحقيقة، جميعنا نبحث عن هذا المنقذ، أنا وأنت والآخرون، نبحث عن بقعة النور هذه حتى نبقى على قيد اليقين بأن القادم أجمل وأن الأحلام المتراكمة على عتبات القلب قادرة على التحقق. جميعنا نبحث عن آخرين يشبهوننا، مروا بظروفنا وتوالت عليهم الصعاب التي نمرّ بها حتى نتعلم منهم كيف نتجاوزها بأفضل السبل وأقل الخسائر. نريد بشدة هذا الضوء البسيط لنجدد الإيمان بأنه مهما عَصَفت بنا الحياة فإننا قادرون على تجاوز هذه الزوبعة أيضاً، وأن كل الأمور ستؤول إلى الخير والسلام كما نتمنى لها.

ولعل هذا السبب: البحث عن «نور/ منقذ/ أمل ما»، وقصة تحاكي قصتنا الشخصية، هو السبب في أن كتب التنمية البشرية وتطوير الذات هي الكتب الأكثر مبيعاً حول العالم لأنها تمنحك طمأنينة خفية وتُسمعك ما تريد سماعه.

ما أريد أن أقوله هو أن هذا المنقذ -للأسف- لن يأتي لأنه غير موجود ولم يُخلق بعد. عليك أن تستوعب أنك ولدت في هذه الحياة وحيداً وستدفن وحيداً وتُبعث مرة أخرى وحيداً، ولن ينقذك أحد من نفسك سوى نفسك.

هذه الخلاصة توصل إليها الحكماء السابقون وعرفوها مبكراً، وقد قال عنها المهاتما غاندي «كن أنت التغيير الذي تريد أن تراه في العالم». أي عليك ألا تنتظر أحداً، بل قم بنفسك لتغيير واقعك. كن أنت المنقذ لنفسك وللآخرين. فلا شيء أسمى من أن تكون منارة بشرية يستمد منها الآخرون ضوء الأمل.