أميرة صليبيخ
الكتابة الإبداعية عملية حرث داخل الروح، وعندما أقول «حرث»، فإني أشير إلى المعنى الحرفي لهذه الكلمة، ذلك أن الكتابة تتطلب منك الجرأة للوقوف بينك وبين نفسك والنزول بكامل وعيك إلى تلك المنطقة العميقة بداخلك وأن تأخذ قلمك لتحرث وتحفر هناك، لعل قريحتك تجود ببعض الأفكار والكلمات التي تستحق الكتابة. فالعقل مثل التربة، عليك أن تعيد نبشه بين حين وآخر حتى لا يفسد ويكون قادراً على الإثمار، وفي الغالب ستصاب بالدهشة مما سيظهر على السطح.
ولأن الكتابة تتطلب الإنصات إلى الصوت الداخلي، فإنك تحتاج لبعض الوسائل حتى تساعده على الظهور والإفصاح عن نفسه. وقد اكتشفت بالتجربة أن أجمل ما كتبته وأغزر فترات حياتي إنتاجاً كانت عندما كتبت على قصاصات الورقة مباشرة بإصبعي الحادي عشر/ القلم. فقد كنت أكتب دون توقف وكأن القلم موصول بالقلب والروح. كانت الكلمات في حالة استنفار كبرى تريد أن تتخذ مقعدها على الورق قبل الأخريات.
لذلك كنت أتفنن في اختيار الأقلام لهذه المهمة الصعبة، واختار الأقلام الأكثر نحافة وانزلاقا على الورق، كما كنت أختار دائماً الورق الخفيف المصّفر أو الصفحات غير المخططة لأني لا أحب أن ألتزم باتجاه معين في الكتابة. أحب أن أخربش في الزوايا كيفما اتفق.
وقد اكتشفت أن هذه النشوة والدفق الإلهامي لا أصاب به عندما أكتب مباشرة على مفاتيح الحاسب الآلي أو أي جهاز آخر، وكأن جمود الآلات قد أصاب كلماتي بالعدوى، فأصبحت باهتة تخلو من حرارة الدم الفائر الذي يختزنه القلم. فالقلم لديه القدرة على التوحد معك كامتداد طبيعي لك. يقف متفرجاً على ما يدور في عقلك ويعمل على نقله على الورق. القلم هو صوت العقل.
وعن شاعرية الكتابة بالقلم وتأثيرها البالغ على النص، يقول الشاعر التشيلي بابلو نيرودا الحائز على نوبل للأدب «بعد تعرضه لحادث كسر فيه إصبعه، لم يستطع استخدام الآلة الكاتبة لفترة من الوقت، فعاد إلى الكتابة بيده، عندما اكتشف لاحقاً أنه حينما يكتب قصائده بيده، فإنها تغدو أكثر حساسية وقابلية للتشكيل».
إن الكتابة عملية تتعرف فيها على الكلمات، تقلبّها في دماغك كيفما تشاء وتنتقي أقربها لقلبك، وتغرسها بين السطور. احذر بعض الكلمات لأنها قد تنفجر بين يديك. الكلمات صديقة جيدة وقت اللزوم، تترجم داخلك وتجعلك كائناً مرئياً. أنت في المجمل مجموعة كلمات. ولو كنت كلمة، فماذا ستختار أن تكون؟ أنا عن نفسي سأختار «سحابة»، تظلل الآخرين وتسقيهم غيثاً. ماذا عنك؟