نعيمة رجب


تعلّمت من عزيزة منذ نعومة أَظْفَارِي معنى الحياة الجميلة والمشرقة، قد يتعجّب البعض كيف لذكريات عابرة لامرأة خيّاطة أن تعلّم طفلة معنى الحياة، وفي مجرد زيارات قصيرة لبيتها تلك التي رافقتها مع أمي.

في الحقيقة هكذا تفعل الحكايا العميقة والمؤثّرة حين تُرى وقائع في عيون طفل صغير وتستقر في أعماقه، فقد رأيت عند عزيزة ارتباط الجمال بالكفاح.. فقد كانت امرأة مثابرة ومكافحة ولا يخفى هذا على كل من رآها، ورأيت ارتباط الابتسامة بالنشاط.. فقد كانت مبتسمة نشيطة تتقافز أمامي لتدير كل شيء في حياتها بسرعة وحيوية، ما بين ماكنتها وبيتها وأطفالها والمرتادات من النساء، وكما رأيت الكلمة العذبة منها ممزوجة بالكدح والكدّ حين تحافظ عزيزة على دماثتها وإشراقة وجهها مهما بلغ انشغالها وازدحامها، بل ورأيت في بيتها ضوء الشمس ممتزجًا بضياء وجهها المرحاب حلو التقاطيع، رأيت فيها نموذجا للإنسان السعيد.. نعم للإنسان السعيد، وماذا تكون السعادة في حقيقتها والحياة الجميلة إن لم تكن هذه صورتها وهذه شخوصها؟!

لقد شكّلت عزيزة أمامي قوة وطيبة وابتسامة ونظافة، وكذلك عزّة وثقة أن يبقى الإنسان يعيش هكذا.. كما كانت هي.

عرفت بعد مقالي الأول عن هذه المرأة أنها ماتت رحمها الله، ولكن يبقى ما شكّلته أمامي يغذّي روحي في كل حين ولو كان مجرد مشاهد في حياتي شهدتها منها وأنا طفلة.

وأعود اليوم وأقول مثل عزيزة هناك غيرها مثلها وهنَّ مغمورات وسط الناس، عزيزات مكافحات مثابرات، وكم هو علينا واجب أخلاقي اليوم أن نمنحهنَّ ما يستحقه من تقدير واحترام بل وحب وتواصل، لأنهنَّ يشكلنَّ نماذج رائعة لنساء رسمنَّ حياتهنَّ بكفاحهنَّ وابتسامتهنَّ وعملهنَّ واشراقهنَّ، وكنّ صورا حيّة في قلوب غيرهنَّ، كما كانت عزيزة في يوم ما في قلبي وأنا طفلة.