لا داعي لزرع القلق لدى الناس.. واعتبار التكنولوجيا تهديدا

قالت باحثة في الذكاء الاصطناعي وعلوم البيانات نور السيد إن عناوين الإعلام هذه الأيام تتصدّرها بعض المفردات التي تثير الجدل وتزرع بذور القلق في عقول الناس. مثل: «الذكاء الاصطناعي يستحوذ على الوظائف» و«البشر مهددون بخسارة وظائفهم أمام التكنولوجيا»، لافتة إلى أن هذه الجمل تثير التساؤلات حول ما إذا كانت تلك مجرد تكهنات مبنية على خيال مفرط، أم أنها تنذر بمستقبل مجهول ومحفوف بالمخاطر.

وأشارت إلى أن سوق العمل قد شهد تأثيرات كبيرة نتيجة للتطورات العالمية، حيث تمحورت هذه التأثيرات حول الثورات الصناعية والتكنولوجية التي شهدناها في العقود الأخيرة، وكانت هناك وظائف تقليدية اعتاد الناس على أدائها تلاشت تدريجياً، مثل عمل العمّال في المصانع ومشغلي لوحات التبديل في أنظمة الهواتف القديمة وحتى الكتّاب الذين كانوا مسؤولين عن تدوين معاملات البيع والشراء في دكاكين التجار.

وذكرت أنّ هذه التطورات لم تكن سبباً لاختفاء الوظائف فقط، بل ولدت معها فرصاً جديدة لوظائف ومهن جديدة، مثل مهندسي الآلات ومبرمجي الحاسوب، ومع تزايد تخصصات التكنولوجيا ظهرت فرص أخرى في مجالات الصيانة والتحليلات، والأهم من كل ذلك أنه بات عرض الوظائف يتجه إلى التخصصات والاحترافية بشكل كبير.

وأضافت: نحن نتحدث هنا عن موجة تغيير مشابهة لتلك التي جرت بعد الثورة الصناعية في السبعينيات، حينئذ أغلقت بعض المصانع أبوابها أمام العمال لتحل محلهم الآلات، وبالمقابل ظهرت وظائف جديدة تتطلب مهارات مختلفة تماماً، وعلى الرغم من التخوفات السابقة من أن 47% من الوظائف ستتأثر بالتكنولوجيا، فإن الدراسات أظهرت أن هذا التأثير لم يتجاوز 9% فقط.

وقالت : «ومع التطور الجارف للتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، تعود المخاوف مجددا وتسيطر على آفاقنا، وبينما يمكن أن يُنظر إلى التكنولوجيا على أنها تهديد، يمكن أيضاً أن يتم التفكير فيها على أنها أداة للتطور والتخصص، فليست المشكلة في التكنولوجيا نفسها، بل في الإرادة البشرية في مواكبة التغيير والتطور».

وكشفت عن أن التجار كانوا يعتمدون بشكل كبير على الكتّاب لتسجيل سجلات المبيعات والمشتريات، ومع مرور الوقت تطورت الأمور واستبدلوا الكتّاب بمدخلي المعلومات، الذين أصبحوا لا غنى عنهم في أنشطة التجارة، وما لبثنا أن شهدنا تطوراً آخر، حيث تم استبدال مدخلي المعلومات بأجهزة تكنولوجية متقدمة، ولا يزال هناك دور للإنسان في تلك العملية، فنجد أشخاصاً يديرون ويشغلون تلك الأجهزة، وآخرين يعملون على برمجتها وصيانتها، بل يأتي الدور الثالث الذي يتمثل في تحليل البيانات المدخلة، حيث يقوم الخبراء ببناء إستراتيجيات جديدة تسهم في تعزيز نمو هذه الأعمال التجارية.

وختمت: من المهم أن نعرف أن التكنولوجيا هي وسيلة تستند إلى إرادة الإنسان، إذ تحتاج إلى خبراته لتوجيهها واستخدامها بفاعلية، وبينما نشهد استبدال بعض الوظائف التقليدية بأنظمة تكنولوجية، فإننا نجد أن هناك مجموعة من الوظائف الجديدة ستبرز في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات. فمن الواضح أن التكنولوجيا ليست سوى أداة تحتاج إلى من يبنيها، ويشغلها، ويوجّه تأثيراتها. إن التحولات التكنولوجية ليست سبباً للقلق، بل هي فرصة للتطور والنمو، وهي تتطلب تفكيراً إستراتيجياً وتكيفاً من الجميع، وعلينا جميعاً أن نأخذ بزمام المبادرة للسير سويا معها، ما يساعد على تحقيق أفضل النتائج والتقدم في مختلف مجالات الحياة والعمل.