أميرة صليبيخ
توقفت منذ زمن عن شراء كتب التنمية البشرية لأن جوهر ما فيها مكرر، مع اختلاف التسميات والتعريفات وفق المدارس النفسية التابعة لها وبحسب المرشدين، وفي النهاية كل هذه الجذور ستقودك إلى الأصل. لكن منذ فترة ظهرت إعلانات عديدة حول كتاب في هذا المجال بعنوان «أبي الذي أكره.. تأملات حول التعافي من إساءات الأبوين وصدمات النشأة» كان عنواناً جريئاً وملفتاً ورغم محاولاتي الالتزام بوعدي إلا أني لم أجد بُداً من شرائه، ولم أندم حتى الآن على هذا القرار.

تقوم فكرة الكتاب حول أنواع الإساءات النفسية التي يتعرض لها الأبناء منذ الصغر وتأثيرها على حياتهم. وتتراوح في شدتها ما بين إهمال، مقارنة، تهميش، ضرب، اعتداء لفظي أو جسدي، طرد، تنمر، حرمان، استفزاز، تخويف، قمع، خذلان، حماية مفرطة وغيرها.. وهو ما يخلّف في الروح ندوباً لا تبرأ فيصبح الشخص أسيراً لها.

ومع التقدم في العمر يتحول هذا الجرح العاطفي إلى أشكال مختلفة فإما أن يصبح الشخص نسخة سيئة ومكررة من أحد الوالدين المؤذيين، أو يصبح منطوياً كارهاً لذاته محتقراً لها، أو يصبح عدوانياً، أو خائفاً جباناً ذا شخصية مهزوزة، أو شاحذاً للمحبة متعطشاً لها، أو مدمناً على أنواع معينة من العادات أو الأكل أو المخدرات للهروب من الألم الذي يحاصره، أو يكون فاقداً لقيمته مع شعور مستمر بعدم الانتماء، وقد يكون كارهاً لجنسه أو دينه وغيرها الكثير.

ويسرد الكتاب مجموعة من قصص ونماذج لأشخاص حقيقيين عاشوا في زنزانة الألم النفسي، ويستعرض هذه الأسباب وأثرها في حياتهم، ثم يفكّك مظاهر هذه الآثار ويحللها نفسياً ويقترح بعض طرق العلاج للخلاص من هذه الزنزانة والعودة للحياة بشكل طبيعي. وللعلم فإن أغلب المجرمين أو الديكتاتوريين والمتطرفين والعدوانيين الذين عرفهم التاريخ عاشوا طفولة بائسة معنفّة ولم يستطيعوا كبح جماح هذا الألم أو تخفيف وطأته عليهم فقاموا بتفريغه في أبشع صورة.

يقول دوستويفسكي: «بوجود تلك الجحيم المشتعلة في قلبك وعقلك، كيف يمكنك أن تحيا؟». لذا لا بد من الوعي بوجود المشكلة والمبادرة بحلها بالتدرج لأن ما غُرس في الأعماق يحتاج إلى بعض الوقت لقطع جذوره. الكتاب خير معين في تقديمه لحلول التعافي من الإساءات. وتذكر متى تحرر الإنسان من زنزانته لن يرعبه أن يراها مرة أخرى.