الدكتور سامح بدوي
اِلتقيتُ للمرة الأولى بواحد من الأساتذة النابغين في المناهج؛ اسم له رصانته، كان أستاذي في مرحلة ما قبل الماجستير، وبدأ يُملي علينا عناوين بحوث في مقرره، ساد الهمس القاعة، ننتظر مهمات نقدر على إنجازها، فأمعن البصر فيّ وقال: عنوانك (مصاحبة موسى للخضر)، ولم يحدثني بعدها بكلمة واحدة، وانصرف بنظراته عني، سمعت العنوان، فانتابني الصمت مجبراً لا بطل، لم تأتني الجرأة في تلك المحاضرة للمناقشة أنا وغيري، وأخذت أحدث نفسي: ما هذا العنوان؟ ومدى علاقته بدراستي - مناهج وطرق التدريس ـ تبادر إلى ذهني للحظة أن أستاذي الجليل أخطأ، حيث إنه أقرب لتخصص التفسير والعلوم الشرعية، ولكن لا يوجد لدى خيار إلا البدء في البحث، وفي هذه الأوقات لم تكن مصادر المعرفة متاحة عبر شاشات إلكترونية صغيرة، أو بين أحرف لوحات مفاتيح أو شبكات عنكبوتية، فقد يتطلب البحث التردد على العديد من المكتبات الجامعية وسط زحام المدينة، وانتظار الساعات حتى يسمح لي بالدخول، كان هو الحال في نهاية تسعينات القرن الماضي، بدأت أطالع المراجع، وأبحث في أمهاتها العتيقة وسط دهاليز المكتبات، وأرففها المليئة بالغبار الذي أنهك جيوبي الأنفية والمصرفية، بدأت تتبلور لدى العديد من المضامين التربوية في تلك المصاحبة كلما تعمقت في القراءة، لعل هذا ما يريده أستاذي من تلك المصاحبة ارتباطها بالعلوم التربوية ربما.
لم أتمكن بعد من الإجابة، فما زلت أحتاج مزيداً من القراءات، والتنقل بين المكتبات بوسائل كانت عتيقة، وتكفي أن تستنزف طاقتي، قصة موسى ومصاحبته للخضر رائعة، فحين قرأتها بعين الباحث وكأني أعرف تفاصيلها للمرة الأولى، قمت بعمل مسودة للبحث، وعرضتها على أستاذي، حيث ذكرت أنها رحلة علمية هادفة لها خطة محكمة تبدأ بسؤال موسى: من أعلم الناس؟ ثم تكليف الله له بالبحث عن العبد الصالح في مجمع البحرين؛ الذي لم يعرف مكانه، ولكنه حمل معه دليل الوصل، والتخطيط للبحث حتى وصل إلى العبد الصالح، وبدأت مرحلة المضامين والاستراتيجيات التربوية العريضة التي ذكرت في المصاحبة: أولها استراتيجية عقود التعلم، والحوار والمناقشة، والمعرفة وما وراء المعرفة، والنمذجة، والتعلم بالحواس، وتوظيف الوسائل المعينة للتعلم، واستثارة المتعلم، والمنظمات التمهيدية المقارنة والشارحة، وتنوع المواقف التعليمية، نظر إليّ لم يتحدث إلا بعبارة واحدة: هذا ليس هو المطلوب.
لم أجلس معه أكثر من خمس دقائق، ثم انصرفت، ومكثت أراجع نفسي: إن كانت هذه البداية، كيف لي أن أستمر حتى مرحلة الدكتوراه؟! وقررت التوقف، ولكنني وجدت نفسي بعد أيام قلائل أعاود البحث انطلاقاً من فكرة جديدة هي: إنني لم أستفد من قصة مصاحبة موسى للحضر، حينها أدركت مبتغى أستاذي الجليل، وتبلور في ذهني لب البحث، فرحت وبدأت أكتب حول الفكرة الرئيسة وهي: آداب مصاحبة أهل العلم، وانتهيت من الكتابة، وذهبت بعد أسابيع لمكتب أستاذي، وعرضت عليه نتائج بحثي ابتسم، وقال لي: صفر كبير، ثم أثنى على بحثي وانصرفت، هذا ما أراده أستاذي في أول لقاء؛ أن يعلمنا أن رحلة البحث العلمي شاقة، ولها آداب أولها التأدب مع أهل العلم، نعم هذا المبتغى فقبل أن نبدأ بالتعلم نؤصل لاحترام أهل العلم وتقديرهم، فالأمم ترقى حين تربي أجيالها على تقدير معلميها، نحن في أحوج ما نكون إلى ذلك، حين نعلم الأبناء احترام العلماء فنحن نمهد لبناء حضارة إنسانية راقية.
اِلتقيتُ للمرة الأولى بواحد من الأساتذة النابغين في المناهج؛ اسم له رصانته، كان أستاذي في مرحلة ما قبل الماجستير، وبدأ يُملي علينا عناوين بحوث في مقرره، ساد الهمس القاعة، ننتظر مهمات نقدر على إنجازها، فأمعن البصر فيّ وقال: عنوانك (مصاحبة موسى للخضر)، ولم يحدثني بعدها بكلمة واحدة، وانصرف بنظراته عني، سمعت العنوان، فانتابني الصمت مجبراً لا بطل، لم تأتني الجرأة في تلك المحاضرة للمناقشة أنا وغيري، وأخذت أحدث نفسي: ما هذا العنوان؟ ومدى علاقته بدراستي - مناهج وطرق التدريس ـ تبادر إلى ذهني للحظة أن أستاذي الجليل أخطأ، حيث إنه أقرب لتخصص التفسير والعلوم الشرعية، ولكن لا يوجد لدى خيار إلا البدء في البحث، وفي هذه الأوقات لم تكن مصادر المعرفة متاحة عبر شاشات إلكترونية صغيرة، أو بين أحرف لوحات مفاتيح أو شبكات عنكبوتية، فقد يتطلب البحث التردد على العديد من المكتبات الجامعية وسط زحام المدينة، وانتظار الساعات حتى يسمح لي بالدخول، كان هو الحال في نهاية تسعينات القرن الماضي، بدأت أطالع المراجع، وأبحث في أمهاتها العتيقة وسط دهاليز المكتبات، وأرففها المليئة بالغبار الذي أنهك جيوبي الأنفية والمصرفية، بدأت تتبلور لدى العديد من المضامين التربوية في تلك المصاحبة كلما تعمقت في القراءة، لعل هذا ما يريده أستاذي من تلك المصاحبة ارتباطها بالعلوم التربوية ربما.
لم أتمكن بعد من الإجابة، فما زلت أحتاج مزيداً من القراءات، والتنقل بين المكتبات بوسائل كانت عتيقة، وتكفي أن تستنزف طاقتي، قصة موسى ومصاحبته للخضر رائعة، فحين قرأتها بعين الباحث وكأني أعرف تفاصيلها للمرة الأولى، قمت بعمل مسودة للبحث، وعرضتها على أستاذي، حيث ذكرت أنها رحلة علمية هادفة لها خطة محكمة تبدأ بسؤال موسى: من أعلم الناس؟ ثم تكليف الله له بالبحث عن العبد الصالح في مجمع البحرين؛ الذي لم يعرف مكانه، ولكنه حمل معه دليل الوصل، والتخطيط للبحث حتى وصل إلى العبد الصالح، وبدأت مرحلة المضامين والاستراتيجيات التربوية العريضة التي ذكرت في المصاحبة: أولها استراتيجية عقود التعلم، والحوار والمناقشة، والمعرفة وما وراء المعرفة، والنمذجة، والتعلم بالحواس، وتوظيف الوسائل المعينة للتعلم، واستثارة المتعلم، والمنظمات التمهيدية المقارنة والشارحة، وتنوع المواقف التعليمية، نظر إليّ لم يتحدث إلا بعبارة واحدة: هذا ليس هو المطلوب.
لم أجلس معه أكثر من خمس دقائق، ثم انصرفت، ومكثت أراجع نفسي: إن كانت هذه البداية، كيف لي أن أستمر حتى مرحلة الدكتوراه؟! وقررت التوقف، ولكنني وجدت نفسي بعد أيام قلائل أعاود البحث انطلاقاً من فكرة جديدة هي: إنني لم أستفد من قصة مصاحبة موسى للحضر، حينها أدركت مبتغى أستاذي الجليل، وتبلور في ذهني لب البحث، فرحت وبدأت أكتب حول الفكرة الرئيسة وهي: آداب مصاحبة أهل العلم، وانتهيت من الكتابة، وذهبت بعد أسابيع لمكتب أستاذي، وعرضت عليه نتائج بحثي ابتسم، وقال لي: صفر كبير، ثم أثنى على بحثي وانصرفت، هذا ما أراده أستاذي في أول لقاء؛ أن يعلمنا أن رحلة البحث العلمي شاقة، ولها آداب أولها التأدب مع أهل العلم، نعم هذا المبتغى فقبل أن نبدأ بالتعلم نؤصل لاحترام أهل العلم وتقديرهم، فالأمم ترقى حين تربي أجيالها على تقدير معلميها، نحن في أحوج ما نكون إلى ذلك، حين نعلم الأبناء احترام العلماء فنحن نمهد لبناء حضارة إنسانية راقية.