أميرة صليبيخ
يقلقني أني قلقة طوال الوقت من أمور لا تستحق القلق. ويقلقني أني أرى أثر هذا القلق على سلامة أعصابي وجودة حياتي وطبيعة أفكاري، وعلى صحتي بشكل عام. فالقلق يجثم على صدري منذ اللحظة التي أفتح بها عيني ويلازمني كظل عصي على الاختفاء. وأعتقد أن هناك المئات مثلي يعانون من مرض العصر الذي يتسلل بهدوء تحت جلدنا، ويستقر في خلايانا كلها ويستنزف طاقتنا بلا رحمة.
فنحن البشر طبيعتنا مرهفة وسريعة التفاعل مع جميع ما حولنا، ولا نملك أن نتحكم بما يحدث لنا في الخارج، من مواقف وتجارب تترك بصماتها علينا، ونُذهل عندما نعرف مدى قدرتها على التحكم فينا بشكل كامل ومستمر. فنحن قلقون من التأخر على الدوام، قلقون من الازدحام المروري، قلقون من الأخبار التي نسمعها وتعيث في قلوبنا فساداً، قلقون من تأخر الترقية، قلقون من أفكار الآخرين عنا، قلقون من ألا نكون جيدين بما فيه الكفاية لمن يعنينا أمرهم، قلقون من المرض، من نقص المال، من الخسارة، قلقون على سلامة الأبناء والأحبة، قلقون من فرط القلق وعالقون في دوامة لا نستطيع الخروج منها، تبتلعنا بقدر ما نفكر في الهروب منها.
والقلق بمرور الوقت يستطيع أن يحفر عميقاً فينا تاركاً آثاره التي يصعب محوها. فالبعض يصاب بنوبات هلع وآخرون برغم حداثة سنهم يتعرضون لأمراض مزمنة كالضغط والسكر وأحياناً الاكتئاب وفقدان الشهية والرغبة في العزلة والهروب من هذه المسؤوليات الخانقة، والعالم الذي لم يعد يفرق بين الأشرار والأخيار. وحتى نستطيع إدارة القلق بشكل سليم ونمرره في حياتنا بشكل سلس، علينا أولاً أن نتقبل وجوده في حياتنا، ونعي لحضوره في أغلب اللحظات. علينا ألا ننجرف وراءه، ونستوعب المواقف ونحدد مدى جديتها. في الغالب 80% من المواقف لا تستحق ردة الفعل التي نبديها تجاهها. فأنت المسيطر والمتحكم بردة فعلك وأنت من تختار كيف تتعامل مع ما يحدث لك.
فلا داعي للمبالغة والتفكير المفرط. كما أنه من الجيد أن تتعلم تقنيات التنفس حتى تروض الأفكار التي تسيطر عليك. حاول أن تشتت انتباهك تجاه المشكلة حتى تهدأ قليلاً، وتستوعب ما يحدث. جرب أن تضحك في عز الأزمة أو المشكلة، أخرج للمشي، للجري، أرقص. ستكتشف مدى تفاهة ما يقلقك.
تذكر دائماً أن الحياة أقصر من أن تقضيها في القلق من أمور لا يد لك فيها. أنت تملك هذه اللحظة فقط، فتعلم أن تعيش في حدودها، واترك ما سيأتي لله.