إيمان عبدالعزيز
حينما تنعم البيوت بتكاثر أفرادها وبصحة أبنائها، تبدو الحياة كأنها حديقة غنّاء، وتصبح أكثر جمالاً وسعادة بمجيء الغد مستهّلاً بقدوم الأحفاد بعد أن شاب الأبناء وانطوت الأعوام، وتعيش أيضاً بيوت أخرى حالات استثنائية اختار لها القدر أن يبقى أحد أفرادها بعمر 5 أعوام ذهنياً و50 عاماً سناً، أي يولد بإعاقة ذهنية يتوقف نمو مداركه العقلية إلى عمر الخامسة أو السادسة، ليصل بعد ذلك إلى سنّ البلوغ ويتخطى مرحلة الشباب، ثم إلى خريف العمر.
.
قد يشكّل هذا الوضع الاستثنائي حالة من الصدمة يعيشها الأهل منذ ظهور أعراض ذلك القصور العقلي المرفق بتأخر استجابة المصاب لمواقفه مع من حوله، حيث إنها تزداد وتتطوّر لديه تلك الأعراض ودرجاتها بحسب حالة النقص العقلي، ليبقى بذهنية طفل، كلما تقدّم في العمر.
.
إما أن يتقبل أفراد العائلة -برحابة صدر وامتنان- ما قُدّر لهم من النصيب، وقد لا يقبل البعض ذلك خوفاً من المصير المستقبلي لابنهم المصاب، ومن مواجهة التحديات في محاولة تأهيله للتكيّف مع المواقف اليومية وتغيّر ظروفه الحياتية المحيطة به، وحماية نفسه ضد المخاطر ومن استغلال الآخرين له. ومن ناحية أخرى، يكون النظر من زاوية ضيقة لدى بعض العائلات في حين يعبّرون عن عدم قبولهم للواقع بالاستعارة من اصطحاب المصاب معهم خارج المنزل خوفاً من أن يقوم بسلوكيات طفولية لافتة لا تتناسب مع سنّه، ما يسبّب لهم حرجاً اجتماعياً أمام الناس.
.
من الصعب أن ينجح كلٌّ من الوالدين وخصوصاً إذا كانا طاعنين في السنّ، وحتى بمعية الإخوة في أوائل المحاولات لتأهيل المعاق ذهنياً بأقصى سرعة وفي وقت قصير، قد تتطلّب هذه الحالات المزيد من الصبر والجهد بحسب درجة إعاقة الابن، ومن العديد من الحالات التي تعرفنا عليها وكانت هذه أبرز الحلول في تحسين سلوكيات المصاب، فعندما يتمسّك بالدمية منذ وصوله سنّ البلوغ يجب محاولة تعويده على تركها تدريجياً، وإعطاؤه بديلاً آخر يتسلّى به مناسباً لسنّه الحالي، كما يُفضّل أن تُعرض له برامج مسلية على شاشة التلفاز أو الهاتف عندما يتخطى سنّة ٢٠ عاماً، بدلاً من أفلام الكرتون التي أدمن على متابعتها أيام طفولته، وعند الخروج من المنزل يجب إقناعه بلطف أنه قد كبر على ركوب ألعاب الصغار أثناء التنزه في مدن الملاهي، حتى يعتاد على الصدّ عنها فيما بعد، وتعليمه على الالتزام بالصمت والهدوء في الأماكن العامة، ولإدماجه في المناسبات والمجتمعات العائلية دور كبير في اكتساب العادات الحسنة من الآخرين بدلاً من قوقعته على نفسه في المنزل، وإحساسه بأنه كسائر أفراد الأُسرة لم ينتقصه شيء، ما يسهم ذلك في تعزيز ثقته بنفسه، ولتحسين سلوكياته أيضاً يفضّل ربط بعض أفضل الأشخاص من أفراد العائلة بحياته العامة لكي يتأسى بهم محاولا تقليد عاداتهم وسلوكياتهم المثلى.
.
وعندما يشيخ في العمر يجب توقيره وفرض احترامه على صغار العائلة من أبناء الإخوة لكونه أصبح رجلاً أو امرأة مسنّة، بحاجة إلى المزيد من التقدير واللين والرعاية، ففي الغالب قد يكون فَقَدَ والديه في هذه المرحلة العمرية.
.
لطفاً بهؤلاء إنهم ليسوا بأطفال ليتم زجرهم وتعنيفهم بالصراخ أو الضرب حينما يشتد عنادهم حول مطلب ما أو إصدار ضجيج في المنزل، ولا عار يخجل من إظهاره أمام الناس، بل هم بَرَكة الحياة في المنزل يقدّر الله عز وجل وجودهم لدى بعض خلقه، ليمتحن مدى إيمانهم وصبرهم في هذه الدنيا يستعينون بمساعدة غيرهم بينما هم ذخيرة الآخرة التي تشفع لأهلها وأصحابها مما تكون من مسببات رضا الرحمن والفوز بجناته.