بدأت الأسرة الصغيرة التي اتسعت قليلاً باستقبال المولود صالح البحث عن برامج للتكلم في دول أجنبية وعربية ووقع الاختيار على القاهرة، حيث يتوافر بها معاهد مختصة بالتكلم عند أصحاب الإعاقة السمعية، وكان القرار جريئاً ومغامراً، فلم يكن السفر إلى القاهرة بنية زيارة صغيرة بل بنية تشبه الهجرة، فكان حلم العائلة أن تنجح في تعليم مريم الكلام والالتحاق بالمدارس العادية والدراسة حتى اجتياز الثانوية.
لقد كان انتقال الأسرة إلى القاهرة قراراً صعباً فلأول مرة تفترق أسرة فؤاد، فكان لا بد من أن يبقى الأب في البحرين لأداء واجباته الجامعية وتمويل تكاليف الرحلة، والأم وحدها لأول مرة في القاهرة ترعى طفلين مريم ولم تتجاوز العامين وصالح ثمانية أشهر، ولكنها قبلت التحدي بشجاعة أذهلت الجميع، وظل الأب في البحرين يحاكي طيف أسرته ويشعر بالحزن لبعدهم عنه فلم يكن يتوقف عن البكاء وهو يفكر كيف يقضون يومهم وكيف يتصرفون فيدعو الله لهم بتيسير أمورهم، وما كان يخفف عنه قيامه برحلات مكوكية كل أسبوعين أو ثلاثة للقاهرة، وقد نجحت الأسرة في التأقلم مع هذا الوضع المرهق مادياً ومعنوياً ونفسياً فمهر الحب غالٍ.
ذهبت مريم إلى المعهد واتفق الوالدان على مدرسة من مدرسات المعهد لإعطائها درساً خصوصياً لتعويض خسارة سنتين من عمرها دون أن تتعلم الكلام، فكانت الأم تترك مريم بعد انتهاء موعد الدراسة ساعة مع المدرسة ولكن البواب أخبر الأم أن تأتي لمريم في الموعد المحدد للانصراف؛ لأن مريم ينتابها الخوف الشديد، فأخبرته أنها تتركها من أجل أن تدرسها المعلمة التي اكتشفت أنها تمشي قبل نهاية اليوم الدراسي بحصتين، وللأسف لم تتمكن مريم من شرح معاناتها لوالدتها فهي لا تستطيع الكلام.
وبدأت مريم التدريب لدى الدكتور محمد بركة لمدة 40 دقيقة يومياً وكانت الأم تتبعها بساعات تدريب فتقدمت مريم تقدماً ملحوظاً، وبلغ صالح سن الالتحاق بالروضة وقررت الأم أن تلحق مريم معه وبعد رحلة بحث حيث لم يكن معترفاً بالدمج حينها. تم ضم صالح ومريم لإحدى الروضات وأقبلت مريم على التعليم بنهم فكانت تستيقظ وحدها في الخامسة فجراً لتمارس الاندماح في هذا المجتمع الصغير رغم تعكير صفوها الناتج عن احتجاج عدد من أولياء أمورالأطفال على وجود مريم، فالمجتمع يعاني نفس الجهل الذي كان يعانيه مجتمع البحرين من ربط الإعاقة السمعية بالتخلف العقلي، فها هم يخافون على انتقال ذلك التخلف إلى أولادهم.
لم تمض سنوات قليلة حتى تكلمت مريم نعم تكلمت مريم لم تتكلم فحسب ولكنها أحبت الكلام وأجادت بلاغة الحوار بالكلمات والتواصل مع الآخر.
أما الأب فصار خبيراً في الإعاقة السمعية فلم يترك مصدراً علمياً يتحدث عنها إلا قرأه وقرر مع تجربته الفريدة أن يرسم خارطة طريق لكل من يعاني من الإعاقة السمعية، ونقل هذه الخبرة إلى وطنه البحرين فأقنع أعضاء مجلس إدارة جمعية البحرين للتنمية والطفولة التي كان أحد مؤسسيها على القيام بدراسة جدوى بإنشاء مركز متخصص تابع للجمعية يهتم بهذه الفئة من المعاقين ونقل تطور مريم إلى فريق العمل العلمي الذي شكلته الجمعية وكان في عضويته عبدالله الحواج ودكتور أكبر محسن، بعد عمل قامت به اللجنة أكثر من عام صاغت على أثره عدة نتائج منها ضرورة إنشاء هذا المركز في البحرين وأن يتبنى فلسفة المشافهة، وعلى الرغم من الكلفة المادية المالية لإنشاء هذا المركز فإن المردود الاجتماعي والإنساني الكبير للمركز لا يقدر بثمن، مع ضرورة أن يكون العاملون في المركز من أبناء البحرين، وتم تكليف الأب بالبحث عن أستاذة متخصصة في هذا المجال لإدارة المركز وتدريب البحرينيين للعمل فيه.
لم تكن المهمة سهلة على الأب على الرغم من قربه من ذوي الاختصاص من أستاذة جامعة عين شمس التي بها قسم كبير للإعاقة السمعية ولكنه حرص على اختيار الطبيب الإنسان الذي يؤمن برسالة المركز ويتفاعل مع أسرة المعاق كأنها أسرته ويكون عطاؤه بلا حدود لينجح في تدريب فريق مؤمن بهذه الرسالة بكونه قدوة لهم. ووقع الاختيار على الخبيرة الدولية في الإعاقة السمعية الدكتورة راندا إمام واختارها الأب لأنها طبيبة ولديها توأمان يعانيان من الإعاقة السمعية، وهي تخصصت من أجلهما فأخبرها الأب برغبته في أن تكون مديرة المركز، ولكنها كانت تعتقد أن الأب يحلم حيث أن مركزاً بهذه الصورة باهظ التكاليف، ولكن إيمان الأب بأن فرح أسرة بتجاوز طفلها الإعاقة السمعية لا يقدر بثمن وإصراره أن السرور الذي أدخلته مريم إليه سيعممه عل كل أسرة بها معوق سمعياً وافتتح المركز عام 1994.
لقد كان انتقال الأسرة إلى القاهرة قراراً صعباً فلأول مرة تفترق أسرة فؤاد، فكان لا بد من أن يبقى الأب في البحرين لأداء واجباته الجامعية وتمويل تكاليف الرحلة، والأم وحدها لأول مرة في القاهرة ترعى طفلين مريم ولم تتجاوز العامين وصالح ثمانية أشهر، ولكنها قبلت التحدي بشجاعة أذهلت الجميع، وظل الأب في البحرين يحاكي طيف أسرته ويشعر بالحزن لبعدهم عنه فلم يكن يتوقف عن البكاء وهو يفكر كيف يقضون يومهم وكيف يتصرفون فيدعو الله لهم بتيسير أمورهم، وما كان يخفف عنه قيامه برحلات مكوكية كل أسبوعين أو ثلاثة للقاهرة، وقد نجحت الأسرة في التأقلم مع هذا الوضع المرهق مادياً ومعنوياً ونفسياً فمهر الحب غالٍ.
ذهبت مريم إلى المعهد واتفق الوالدان على مدرسة من مدرسات المعهد لإعطائها درساً خصوصياً لتعويض خسارة سنتين من عمرها دون أن تتعلم الكلام، فكانت الأم تترك مريم بعد انتهاء موعد الدراسة ساعة مع المدرسة ولكن البواب أخبر الأم أن تأتي لمريم في الموعد المحدد للانصراف؛ لأن مريم ينتابها الخوف الشديد، فأخبرته أنها تتركها من أجل أن تدرسها المعلمة التي اكتشفت أنها تمشي قبل نهاية اليوم الدراسي بحصتين، وللأسف لم تتمكن مريم من شرح معاناتها لوالدتها فهي لا تستطيع الكلام.
وبدأت مريم التدريب لدى الدكتور محمد بركة لمدة 40 دقيقة يومياً وكانت الأم تتبعها بساعات تدريب فتقدمت مريم تقدماً ملحوظاً، وبلغ صالح سن الالتحاق بالروضة وقررت الأم أن تلحق مريم معه وبعد رحلة بحث حيث لم يكن معترفاً بالدمج حينها. تم ضم صالح ومريم لإحدى الروضات وأقبلت مريم على التعليم بنهم فكانت تستيقظ وحدها في الخامسة فجراً لتمارس الاندماح في هذا المجتمع الصغير رغم تعكير صفوها الناتج عن احتجاج عدد من أولياء أمورالأطفال على وجود مريم، فالمجتمع يعاني نفس الجهل الذي كان يعانيه مجتمع البحرين من ربط الإعاقة السمعية بالتخلف العقلي، فها هم يخافون على انتقال ذلك التخلف إلى أولادهم.
لم تمض سنوات قليلة حتى تكلمت مريم نعم تكلمت مريم لم تتكلم فحسب ولكنها أحبت الكلام وأجادت بلاغة الحوار بالكلمات والتواصل مع الآخر.
أما الأب فصار خبيراً في الإعاقة السمعية فلم يترك مصدراً علمياً يتحدث عنها إلا قرأه وقرر مع تجربته الفريدة أن يرسم خارطة طريق لكل من يعاني من الإعاقة السمعية، ونقل هذه الخبرة إلى وطنه البحرين فأقنع أعضاء مجلس إدارة جمعية البحرين للتنمية والطفولة التي كان أحد مؤسسيها على القيام بدراسة جدوى بإنشاء مركز متخصص تابع للجمعية يهتم بهذه الفئة من المعاقين ونقل تطور مريم إلى فريق العمل العلمي الذي شكلته الجمعية وكان في عضويته عبدالله الحواج ودكتور أكبر محسن، بعد عمل قامت به اللجنة أكثر من عام صاغت على أثره عدة نتائج منها ضرورة إنشاء هذا المركز في البحرين وأن يتبنى فلسفة المشافهة، وعلى الرغم من الكلفة المادية المالية لإنشاء هذا المركز فإن المردود الاجتماعي والإنساني الكبير للمركز لا يقدر بثمن، مع ضرورة أن يكون العاملون في المركز من أبناء البحرين، وتم تكليف الأب بالبحث عن أستاذة متخصصة في هذا المجال لإدارة المركز وتدريب البحرينيين للعمل فيه.
لم تكن المهمة سهلة على الأب على الرغم من قربه من ذوي الاختصاص من أستاذة جامعة عين شمس التي بها قسم كبير للإعاقة السمعية ولكنه حرص على اختيار الطبيب الإنسان الذي يؤمن برسالة المركز ويتفاعل مع أسرة المعاق كأنها أسرته ويكون عطاؤه بلا حدود لينجح في تدريب فريق مؤمن بهذه الرسالة بكونه قدوة لهم. ووقع الاختيار على الخبيرة الدولية في الإعاقة السمعية الدكتورة راندا إمام واختارها الأب لأنها طبيبة ولديها توأمان يعانيان من الإعاقة السمعية، وهي تخصصت من أجلهما فأخبرها الأب برغبته في أن تكون مديرة المركز، ولكنها كانت تعتقد أن الأب يحلم حيث أن مركزاً بهذه الصورة باهظ التكاليف، ولكن إيمان الأب بأن فرح أسرة بتجاوز طفلها الإعاقة السمعية لا يقدر بثمن وإصراره أن السرور الذي أدخلته مريم إليه سيعممه عل كل أسرة بها معوق سمعياً وافتتح المركز عام 1994.