مع كل المعطيات الكثيفة التي ذكرت سابقاً لاتزال المنظمات الأهلية تحتفل في كل دول العالم في شهر أبريل من كل عام بالتوحد، ويقومون بالتركيز على جوانب الموهبة - التي قد يمتلكها المحظوظون فقط والذين لا تتجاوز نسبتهم 25% من كل المصابين بالتوحد أصلاً ولا أحد يتحدث حقاً عن سن القوانين الداعمة للأغلبية الساحقة من التوحديين وأهاليهم الذين يقبعون في ظلال المعاناة والإعاقة الحقيقية!
ترتدي معالم الدول الرئيسة زينتها باللون الأزرق، تقام الماراثونات السنوية التي يشارك فيها الآلاف، يتم الترويج للتوحد بطريقة فرائحيه ملونة بالأحلام الوردية التي لا تمت للمعاناة بصلة في أغلب الأحيان، وكذلك يتم تخصيص ريع الكثير من المحلات والحركات التجارية لدعم قضية التوحد والتوعية به.
ولكن، ما الذي تغير بشكل مباشر في حياة أولئك الأشخاص بعد كل هذه البهرجة الإعلامية والاحتفالات والنداءات المتكررة؟
هل تمكنت كل الأسر من الحفاظ على تماسكها المادي ولحمتها الاجتماعية؟
هل قلت معدلات العنف الأسري وحالات الطلاق الناتجة عن ضغط العناية بالفرد المصاب بالتوحد؟
هل حصلت الأسر على الدعم النفسي والاجتماعي الملائم في وقته المناسب وهل تم الحكم بحق الحضانة بالقضاء العادل والمتزن دون انحياز لأطراف قد تعرض الطفل التوحدي للخطر؟
هل تمكن كل الأطفال من الحصول على التشخيص المبكر وتم إدراجهم في مؤسسات حقيقية غير تجارية وغير ربحية تقدم التدخل الحقيقي لا الوهمي الذي يضيع وقتهم وجهد أهاليهم في طريق مسدود؟
هل فتحت صفوف دراسية للدمج تحتوي أعداد التوحديين المتزايدة كل عام؟
هل حصل الأفراد المصابون بالتوحد على العناية الطبية اللازمة بأولوية العلاج في كل المؤسسات الصحية؟
هل تم ابتعاث ودعم المزيد من الأشخاص في فرق المهن التأهيلية التخصصية المتعلقة بالتوحد؟ مثل الأخصائيين المهنيين وأخصائي النطق واللغة وأخصائيي السلوك ؟
هل حصل كل شخص مصاب بالتوحد على فريقه الداعم المكون من أطباء علم النفس والأخصائيين الذين يوفرون له الدعم والتأهيل في المراحل العمرية المتقدمة؟
هل حصل التوحدي على مقعد دراسي جامعي يتناسب وإمكانياته؟
هل يكفي المخصص المالي البالغ 100 دينار بحريني فقط، للحاق بمستلزمات العناية بالتوحد والتي تتراوح من 300-900 دينار شهرياً لكل طفل واحد !!؟
هل تم منح الوالدين الذين يقومان برعاية طفل أو شاب توحدي، ساعتي الرعاية في القطاع الحكومي والخاص؟ أم تم حرمانهم منها بذريعة الإنتاجية في حين أنه حق مشروع وحاجة ملحة؟
هل تم استحداث مؤسسات نهارية تستقبل حالات التوحد باحترافية ومهنية وبأسعار ملائمة، بحيث تحتويهم أثناء ممارسة أهاليهم أدوارهم المهنية المختلفة؟
هل هنالك دور إيواء اجتماعية، للمصابين بالتوحد الذين فقدوا والديهم في عمر متقدم؟
حري بنا أن نبدأ بتوفير إجابات لكل هذه التساؤلات الجوهرية بشكل ملموس، حري بنا أن نتقلد المسؤولية المجتمعية الجماعية لتغيير حياة الأفراد المصابين بالتوحد للأفضل، ودعمهم بالتدخل المبكر الممنهج والتعليم والتأهيل الحياتي والمهني، وأن نحفظ لهم كرامتهم كبشر لهم حق العيش الآمن والمستقر في نسيج اجتماعي منظم، داعم ومراع لأسرهم الكريمة التي تقاتل لتوفير لقمة العيش ولتلبية احتياجات أبنائها.
قطعة من الكعك المزين بالكريمة الزرقاء باسم التوحد لا تضر، ولكنها لا تجعلك داعم للتوحد، كذلك تعليق رمز الأحجية وتزيينك لصفحات التواصل الاجتماعي باللون الأزرق وإعادة إرسال منشورات التوحد، كل ذلك لا يجعلك داعم حقيقي لهم، فالدعم الحقيقي هو أن تفكر بإدخال التوحد في مشروع تخرجك الجامعي، أو أن تبحث عن أقرب منظمة رسمية ومسجلة تعنى بالتوحد وتقوم بالتطوع فيها أو دعمها مادياً لتوفير حصص التدخل المبكر للأسر الغير مقتدرة! دعمك الحقيقي حين تفتح مطعمك الخاص، وتقوم بتهيئته من ناحية الأمن والأمان لاستقبال التوحيديين وأسرهم فيه، دعمك يكون عبر توفيرك وجبات خاصة في قائمة الطعام ملائمة لأنواع الحميات الخاصة التي يلتزم بها بعض المصابين بالتوحد! دعمك يكون في استثمارك مهاراتك في التقنية والتصميم لاستحداث برامج متطورة خاصة بالتوحد تساهم في سد الثغرات الموجودة في قطاع التدخل المبكر والتأهيل!
الكل يستطيع أن يدعم التوحد بطريقته الخاصة إن أراد ذلك! وما بعد الإرادة سوى العمل، والتغيير يبدأ بإذن الله بتكاتف وتضامن الجميع، نحو مجتمع واع ومراع ومتقبل لكل أبنائه المصابين بالتوحد.
د. فاطمة مرهون
طبيبة ومستشارة في الوراثة
رئيسة اللجنة التثقيفية التوعوية
جمعية التوحديين البحرينية
{{ article.visit_count }}
ترتدي معالم الدول الرئيسة زينتها باللون الأزرق، تقام الماراثونات السنوية التي يشارك فيها الآلاف، يتم الترويج للتوحد بطريقة فرائحيه ملونة بالأحلام الوردية التي لا تمت للمعاناة بصلة في أغلب الأحيان، وكذلك يتم تخصيص ريع الكثير من المحلات والحركات التجارية لدعم قضية التوحد والتوعية به.
ولكن، ما الذي تغير بشكل مباشر في حياة أولئك الأشخاص بعد كل هذه البهرجة الإعلامية والاحتفالات والنداءات المتكررة؟
هل تمكنت كل الأسر من الحفاظ على تماسكها المادي ولحمتها الاجتماعية؟
هل قلت معدلات العنف الأسري وحالات الطلاق الناتجة عن ضغط العناية بالفرد المصاب بالتوحد؟
هل حصلت الأسر على الدعم النفسي والاجتماعي الملائم في وقته المناسب وهل تم الحكم بحق الحضانة بالقضاء العادل والمتزن دون انحياز لأطراف قد تعرض الطفل التوحدي للخطر؟
هل تمكن كل الأطفال من الحصول على التشخيص المبكر وتم إدراجهم في مؤسسات حقيقية غير تجارية وغير ربحية تقدم التدخل الحقيقي لا الوهمي الذي يضيع وقتهم وجهد أهاليهم في طريق مسدود؟
هل فتحت صفوف دراسية للدمج تحتوي أعداد التوحديين المتزايدة كل عام؟
هل حصل الأفراد المصابون بالتوحد على العناية الطبية اللازمة بأولوية العلاج في كل المؤسسات الصحية؟
هل تم ابتعاث ودعم المزيد من الأشخاص في فرق المهن التأهيلية التخصصية المتعلقة بالتوحد؟ مثل الأخصائيين المهنيين وأخصائي النطق واللغة وأخصائيي السلوك ؟
هل حصل كل شخص مصاب بالتوحد على فريقه الداعم المكون من أطباء علم النفس والأخصائيين الذين يوفرون له الدعم والتأهيل في المراحل العمرية المتقدمة؟
هل حصل التوحدي على مقعد دراسي جامعي يتناسب وإمكانياته؟
هل يكفي المخصص المالي البالغ 100 دينار بحريني فقط، للحاق بمستلزمات العناية بالتوحد والتي تتراوح من 300-900 دينار شهرياً لكل طفل واحد !!؟
هل تم منح الوالدين الذين يقومان برعاية طفل أو شاب توحدي، ساعتي الرعاية في القطاع الحكومي والخاص؟ أم تم حرمانهم منها بذريعة الإنتاجية في حين أنه حق مشروع وحاجة ملحة؟
هل تم استحداث مؤسسات نهارية تستقبل حالات التوحد باحترافية ومهنية وبأسعار ملائمة، بحيث تحتويهم أثناء ممارسة أهاليهم أدوارهم المهنية المختلفة؟
هل هنالك دور إيواء اجتماعية، للمصابين بالتوحد الذين فقدوا والديهم في عمر متقدم؟
حري بنا أن نبدأ بتوفير إجابات لكل هذه التساؤلات الجوهرية بشكل ملموس، حري بنا أن نتقلد المسؤولية المجتمعية الجماعية لتغيير حياة الأفراد المصابين بالتوحد للأفضل، ودعمهم بالتدخل المبكر الممنهج والتعليم والتأهيل الحياتي والمهني، وأن نحفظ لهم كرامتهم كبشر لهم حق العيش الآمن والمستقر في نسيج اجتماعي منظم، داعم ومراع لأسرهم الكريمة التي تقاتل لتوفير لقمة العيش ولتلبية احتياجات أبنائها.
قطعة من الكعك المزين بالكريمة الزرقاء باسم التوحد لا تضر، ولكنها لا تجعلك داعم للتوحد، كذلك تعليق رمز الأحجية وتزيينك لصفحات التواصل الاجتماعي باللون الأزرق وإعادة إرسال منشورات التوحد، كل ذلك لا يجعلك داعم حقيقي لهم، فالدعم الحقيقي هو أن تفكر بإدخال التوحد في مشروع تخرجك الجامعي، أو أن تبحث عن أقرب منظمة رسمية ومسجلة تعنى بالتوحد وتقوم بالتطوع فيها أو دعمها مادياً لتوفير حصص التدخل المبكر للأسر الغير مقتدرة! دعمك الحقيقي حين تفتح مطعمك الخاص، وتقوم بتهيئته من ناحية الأمن والأمان لاستقبال التوحيديين وأسرهم فيه، دعمك يكون عبر توفيرك وجبات خاصة في قائمة الطعام ملائمة لأنواع الحميات الخاصة التي يلتزم بها بعض المصابين بالتوحد! دعمك يكون في استثمارك مهاراتك في التقنية والتصميم لاستحداث برامج متطورة خاصة بالتوحد تساهم في سد الثغرات الموجودة في قطاع التدخل المبكر والتأهيل!
الكل يستطيع أن يدعم التوحد بطريقته الخاصة إن أراد ذلك! وما بعد الإرادة سوى العمل، والتغيير يبدأ بإذن الله بتكاتف وتضامن الجميع، نحو مجتمع واع ومراع ومتقبل لكل أبنائه المصابين بالتوحد.
د. فاطمة مرهون
طبيبة ومستشارة في الوراثة
رئيسة اللجنة التثقيفية التوعوية
جمعية التوحديين البحرينية