كلمات نبوية مباركة ووصية تحوي الكثير من المعاني والإشارات، تلك التي وصى النبي بها أصحابه وأتباع دينه، وذلك في الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال"لا تحقرَنَّ من المعروفِ شيئاً، ولو أن تلقَى أخاك بوجهٍ طلِق".

إنها دعوة لصنع المعروف وفعل الخير مهما قل، فإن العبد يسعى في عظيم المعروف فإن عجز عن كبيره فلا يحتقرن صغيره أن يفعله، فإن عجز فلا أقل من أن يصنع من ابتسامته معروفاً يقدمه لمن يخاطبه، أو يتحدث معه، أو يخالطه، أو لكل من حوله.

إن أول ما يتبادر لذهن السامع من هذا الحديث أن يسعى في اكتساب المعروف وصنعه، فهي دعوة لصنع المعروف ابتداءً، أي معروف وكل معروف. فإن "شيئاً" هنا نكرة في سياق النفي تفيد العموم فتشمل كل معروف.

فاحرص على فعل المعروف: فإن الأيام تمضي والصالحات تبقى، والآجال تنتهي ولكن الآثار الطيبة باقية، والإنسان يموت وتتوقف أعماله، ولكن ثواب أعمال البر الذي فعله قبل موته ما زالت تتدفق عليه حسناتها إلى يوم القيامة.

اصنع الخير ولا تتوقف عن المعروف؛ ففي يوم القيامة سينبهر أناس من ثواب أعمالهم الكبيرة في الدنيا، بل سيذهلهم ثواب أعمال ظنوها صغيرة لكنها كانت عند الله عظيمة، فأثابهم عليها ثواباً لم يتخيلوه، وجزاهم عليها جزاء لم يتوقعوه.

احرص على فعل الخير فإن الله تعالى لن ينسى خيراً قدمته، ولا هماً فرجته، ولا ديناً قضيته، ولا عيناً كادت أن تبكي هماً وحزناً فأسعدتها.

احرص على فعل الخير، ونشر الخير، والتحدث بالخير، ونية الخير؛ فإن هذا دلالة إيمان كما قال عليه الصلاة والسلام: [لا يشبع المؤمن من خير حتى يكون منتهاه الجنة].

احرص على فعل الخير واطرق أبوابه، فإن الله لا يفتح أبواب الخير إلا لمن طرقها (كما يقول الطنطاوي)، فمن أقبل ، أقبل الله عليه، ومن أعرض ، أعرض الله عنه.

افعل الخير حيث سنحت فرصة، وعود نفسك عليه ولا تترد، فعمل الخير طبع يكتسب، وعادة تُتعلم، وكما أن العلم بالتعلم والحلم بالتحلم، فهنا كذلك.