أميرة صليبيخ

في السابعة من عمرها تعرضت مايا أنجلو للاغتصاب، وبعدما قُتل المغتصِب على يد فرد من العائلة انتقاماً لها، أُصيبت بصدمة كبيرة ألزمتها الخرس 6 سنوات؛ فقد ظنّت -بوعيها البسيط آنذاك- أن صوتها هو الذي قتل المغتصب عندما باحت باسمه! في تلك الفترة البائسة من حياة هذه الطفلة، اصطحبتها إحدى السيدات -التي تعرف وضعها النفسي- إلى المكتبة العامة وطلبت منها قراءة كل الكتب الموجودة هناك. تقول أنجلو: "أنها لم تفهم كل ما قرأته لكنها استمرت في القراءة، ففي كل مرة كانت تذهب إلى المكتبة تشعر بالأمان، فلا يمكن أن يحدث لأحد مكروه هناك".

وخلال سنوات الخرس التي عاشتها والتي لم تكن سنواتٍ عجافاً، طورت قدراتها الذهنية، وقرأت لكبار الأدباء وحفظت العديد من النصوص منها 75 سوناتة لشكسبير. كانت للكتب أيدٍ خفية، ساعدتها في التشافي من ذكرياتها السيئة وحالة الغضب والإنكار والخرس التي عايشتها، فوُلدت من جديد لتكون واحدة من أكثر الشخصيات العالمية تأثيراً حول العالم.

وبالنظر إلى الإنتاج الإبداعي الذي خلفّته مايا أنجلو -متعددة المواهب- نرى أنها أثرت المكتبات العالمية بسلسلة كتب السير الذاتية، أشهرها "أعرف لماذا يغرد الطائر الحبيس" الذي تحدثت فيه عن سنواتها الأولى وكيف ساعدها حب الأدب في التغلب على الآلام النفسية.

كما لها العديد من دواوين الشعر والمقالات، وقائمة من المسرحيات والأفلام والبرامج التلفزيونية والأغاني، فإلى جانب كونها شاعرة وكاتبة، كانت أستاذة جامعية تحملُ ثلاثين شهادة دكتوراه فخرية، ورشحت أعمالها الأدبية للعديد من الجوائز، وكانت مطربة وفنانة استعراضية ومخرجة في فترات مبكرة من حياتها.

وعُرفت أيضاً كناشطة سياسية ومدافعة شرسة عن حقوق السود جنباً إلى جنب مع رموزٍ قومية مثل مالكوم إكس ومارتن لوثر كنغ. وتعتبر أنجلو أول شاعرة تلُقي قصيدة افتتاحية خلال حفل تنصيب رئاسي في البيت الأبيض عام 1993 بطلب من الرئيس كلينتون، وقد كرّمها باراك أوباما بمنحها وسام الحرّية الرئاسي عام 2011. كما أصدرت هيئة البريد الأمريكية طابع بريد تذكارياً بعد رحيلها عام 2014 ولا يزال محرك البحث غوغل يحتفي بها كل عام. في إحدى قصائدها تقول: "عندما بدت الشمس وكأنها لن تشرق ثانية.. جعل الله قوس قزح بين الغمام.. انظر إلى هذا- انظر إلى هذا.. إنها مكتبة.. (المكتبة قوس قزح بين الغمام)". بالفعل.. كانت المكتبة طوق النجاة، كما كانت اليد الحانية التي انتشلت مايا أنجلو من غيابة الخرس إلى قمة المجد. فمتى ستمد يدك لها لتنقذك أنت أيضاً؟