تتكرر كثيراً عبارة (أصبحنا بيتوتيين) في حواراتنا واستنتاجاتنا حول مدى تأثرنا بالجائحة. وعلى الرغم من رفع القيود وعودة الحياة شبه الطبيعية، أي أننا نستطيع أن نخرج ونجتمع ولكن مع تطبيق إجراءات السلامة والحذر فإنه من الملاحظ وجود ضعف في الشهية الاجتماعية وعدم الرغبة في الخروج من المنزل كثيراً. لقد ألقت الجائحة بظلالها علينا وعلى علاقاتنا الاجتماعية وأثرت كثيراً بعمق على البعض منا أكثر من البعض الآخر. فلم نعد نستشعر تلك الشهية الاجتماعية المفتوحة والحرية المطلقة نفسياً والتي كنا نحياها قبل الجائحة، وطبعاً هذا يجعلنا نتساءل هل تغيرت شخصياتنا في العمق أم أنها فترة عابرة وسوف نعود إلى سابق عهدنا؟ ولا يمكن الإجابة عن هذا السؤال حالياً؛ فمن الصعب جداً أن يتم تحليل ودراسة تأثيرات الجائحة بسرعة خلال أشهر فقط كون العملية تتطلب تخطيطاً ودراسة وسنوات من البحث وما يقوم به العلماء حالياً هو التوصل إلى فرضيات مبنية على دراسات قديمة لها علاقة مباشرة بملاحظات تتعلق بممارساتنا الحياتية الحالية. وفي مقال شيق عن الموضوع نشر في جريدة النهار للكاتبة كارين إليان كتبت فيه: (بين التباعد الاجتماعي والحجر الصحي وظروف انتشار الوباء عامة لا تعد العودة إلى الحياة الطبيعية سهلة وفق الاختصاصية في المعالجة النفسية شارلوت خليل، حيث إنه ثمة آثار نفسية واجتماعية هي من تداعيات المرحلة التي مررنا بها ومن الطبيعي أن ترافقنا فترة طويلة. وذلك وفقاً للدراسات التي أجريت على أوبئة سابقة وضعت فرضيات مختلف لمرحلة ما بعد الوباء؛ إذ يختلف الوضع بين شخص وآخر، فثمة أشخاص قد يتفاقم لديهم الشعور بالعزلة ويجدون صعوبة في العودة إلى الحياة الطبيعية. في المقابل ثمة أشخاص قد ينكرون الواقع وما تترافق معه من ظروف لا تزال موجودة). وما يهمني هنا هو استقصاء الحلول والفرضيات التي يمكنها أن تساعدنا على فهم أنفسنا والبحث عن حلول تتناسب مع ما نمر به من ظروف نفسية واجتماعية؛ فقد تطرق الباحثون في هذا المجال إلى عدة نصائح منها: (أنه لا بد من التحلي بالهدوء والمرونة النفسية ليتم التأقلم مع الأزمات والأوضاع المستجدة، فهناك حاجة ماسة إلى ذلك حالياً نظراً إلى المتغيرات المستمرة والسريعة، كما أنه من المهم جداً تحديد مصادر الراحة النفسية والتعبير عنها بصراحة لكي نتجنب كل ما يمكنه أن يتسبب في مشاعر الخوف والقلق، ومن المهم أيضاً أن نطلب المساعدة النفسية إذا ما عادت الحياة إلى طبيعتها في ظل العجز عن الانخراط مجدداً في المجتمع والاستمرار بالتشدد في الإجراءات الوقائية المبالغ فيها في حين عدم وجود موانع فعلية ومنطقية. الخلاصة، يبقى تأثر شهيتنا الاجتماعية مرهون بمدى مرونتنا وتركيبة شخصيتنا النفسية، لذلك فإن تغير شهيتنا الاجتماعية وتفاوت ذلك من شخص إلى آخر أمر طبيعي ولكنه يتطلب مراقبة مستمرة في ظل المتغيرات. ومهم جداً أن يتم تحديد أهمية الشهية الاجتماعية للشخص نفسه ومدى تأثر حياته بتغيرها لكي يستجمع الشخص شتات أفكاره ويخفف من تأثره بفترة العزلة الاجتماعية محاولاً استرداد حياته السابقة .