من منا لم يتعرض للتنمر حتى لو كان من باب «الغشمرة»، من منا لم يسمع تعليقاً سلبياً على شكله أو شخصه أو طريقة كلامه أو عرقه أو لونه أو غيرها، من منا لم يتأثر نفسياً بسبب كلمة سلبية قيلت له؟
والسؤال الذي دائماً ما يخطر في ذهني هو «لماذا نتعرض للتنمر؟»، وعندما أفكر في الإجابة أجد أن المشكلة ليست فينا بل في المتنمر نفسه.
فالمتنمر هو ذلك الذي يحقد على الآخرين ويحتقرهم للونهم أو جنسهم أو أصلهم أو وظائفهم. ولعل ما نراه اليوم في وسائل التواصل الاجتماعي هو خير مثال على ذلك، فلا نجد حساباً يخلو من متنمرٍ أو أكثر، فهذا يحتقر وذاك يشتم.
للأسف البعض اتخذ من التنمر هواية أو عادة يمارسها بشكل يومي على الآخرين، يشعر بعدها بالانتصار الداخلي والراحة النفسية المؤقتة، ولا يدرك أنه يدمر نفسية غيره. أعرف العديد من الأشخاص الذين وصلوا إلى مرحلة كرههم لأنفسهم وشكلهم الخارجي وحتى حياتهم بسبب التعليقات المسيئة لهم.
هل تعلمون ما الآثار النفسية التي قد تصيب الآخرين جراء كلمة سلبية تقال لهم؟ هل تعلمون أن التنمر قد يقود إلى الانتحار في بعض الأحيان؟
قبل أن تفكر في التنمر على أي شخص كان، قف أمام المرآة ووجه إلى نفسك نفس الكلمات السلبية التي تريد توجيهها إلى الآخرين، جرب ذلك، فلربما تشعر بالأذى النفسي الذي قد تتسبب فيه لغيرك.
لا أوجه كلامي في مقالي هذا إلى الأشخاص الذين يختبئون خلف هواتفهم فقط، بل إلى أي شخص يمارس أي نوع من أنواع التنمر على الآخرين، كالتنمر الوظيفي على سبيل المثال، وهو من الظواهر المنتشرة، بحيث يقوم بعض الموظفين باستخدام سلوك عدواني مستمر ضد موظف آخر، وهذا النوع من التنمر له عدة أشكال، منها اللفظي والنفسي والإشاعات وحتى الاعتداء الجسدي، ما يؤثر سلباً على الحياة المهنية والشخصية للموظف.
وننتقل إلى التنمر بين الأزواج، أو التنمر الزوجي، بحيث يقوم أحد الأطراف بالسخرية والتهكم من الطرف الآخر، ما يسبب العنف والكراهية بين الزوجين، وبالتالي الانفصال.
أما الكارثة الكبرى فهي التنمر بين الأطفال، فلا يخفى على أحد التغير السلوكي في أطفال هذا الجيل، الذين أصبح البعض منهم متنمراً سواء بالألفاظ أو الأفعال أو الاثنين معاً، ولا أخفي عليكم، أجد أن الأسرة لها دور كبير في تنشئة الطفل المتنمر.
فقد لاحظت أن البعض من أولياء الأمور يستخدمون كلمات وألفاظاً سلبية في أثناء تعاملهم مع أطفالهم، ونعتهم بالصفات غير المحببه كالغباء على سبيل المثال سواء بشكل منفرد أو أمام الآخرين، هذا بالإضافة إلى تعرضهم للأذى الجسدي أو العاطفي من قبل أولياء أمورهم، الذين لا يفقهون مدى تأثير ذلك على نفسية وسلوك الطفل في التعامل مع أقرانه، بالإضافة إلى أن البعض منهم لا ينتبه إلى ألفاظه أو الكلمات التي ينعت بها الآخرين أمام أطفاله، وبالتالي تنتقل صفة التنمر من الوالدين إلى الأطفال الذين يصبحون في النهاية نسخة من ذويهم، فيساهمون في خلق جيل متنمر.
فانتبه عزيزي القارئ لما تلفظ أو تكتب من كلمات، فهي كالسهم حين تنطلق لا تعود.
عبير مفتاح