غالبا ما تثير كلمة (العزلة) نوعا من الخوف والقلق في نفوس البشر. وبطبيعة الإنسان (الحيوان الاجتماعي) فإنه يرفض هذه العزلة ويسارع للدخول مرة أخرى في قطيع البشر حتى لا يوصم بأنه وحيد ومعزول.
لكن العزلة بريئة من كل هذه التهم، ولو لا فوائدها ما لجأ العظماء لها باختيارهم، مقدّرين قيمة هذه اللحظات من الخلوة التي تعيد للإنسان توازنه، ويستعيد بها اتصاله بذاته الحقيقية والمنسية في الوقت ذاته، في غمرة الحياة المدنية المتسارعة، وكل الفوضى والضوضاء المصدّرة إليه من خلال قنوات التواصل الاجتماعي التي تهتك عرض عزلته وتأسر حواسه وتبقيه أبعد ما يكون عن نفسه. فحتى ولو بقي وحيداً في غرفته فإن سطوتها هي الحاضرة وهي المتحكمة باللحظة.. فيضيع الإنسان عن نفسه يوماً بعد يوم دون إدراك ووعي منه.
الفيلسوف والعالم الفرنسي ديكارت «أبو الفلسفة الحديثة» لم يكن يجري أي نوع من المحادثات مع أي كان حتّى لا تشغله عن عزلته اللي يقضيها في البحث والتقصي والتفرغ للتباحث مع أفكاره.
أما الكاتب الأرجنتيني صاحب أضخم مكتبة شخصية في أوروبا ألبرتو مانغويل فيقول عن عزلته المختارة للتفرغ للقراءة «لقد أعطتني القراءة عذرًا مقبولاً لعزلتي، بل ربما أعطت مغزى لتلك العزلة المفروضة علي». لقد اختار مانغويل العزلة برفقة الكتب على رفقة الناس.
العزلة الاختيارية هي حاجة أساسية وواجب اللجوء لها بين وقت وآخر حتى يستطيع الإنسان تقييم جودة حياته، وصولاً لأهدافه بسهولة دون تشتت وتخبط.
يقول الروائي الكبير دوستوفسكي «العزلة زاوية صغيرة يقف فيها المرء أمام نفسه».
ترى متى ستتجرأ أنت للوقوف في مواجهة نفسك بعزلة عن الآخرين.. وتقول لها مرحباً.. تشرفت بلقائك من جديد؟
أميرة صليبيخ