رئيفة عبدالعزيز
كانت لديهم أحلامٌ وطموحاتٌ تُخيّمُ على عقولهم، تِلك الأحلام التي كانت تحرمهم لذّة النوم، وتجعلهُم يُحلقون بعيداً، إلى أن جاء ذلك اليوم الذي كانت فيه الظروفُ أقوى ممّا يطمحون.. ومرّت الأيّام والسّنون، ونسوا ما كانوا يحلمون، وبعد إنجابهم للأبناء..استرجعوا أحلامهم المنسيّة، وشعروا بنبض الأمل يدُق بابهم من جديد، ولكن هذهِ المرّة لن يسمحوا بتلاشيها مُجدّداً.
هذا هو حال بعض الآباء في مجتمعاتنا، عندما لم يكُن بوسعهم تحقيق أحلامهم التي ضاعت منهم لأي سببٍ كان، فيبدؤون بتعليق أمانيهم على أبنائهم، وكأنّهُم يُدمجون حياة أبنائهم بحياتهم، وهم غير مُدركين أنّ لِأبنائهم حق الحياة كما يُريدون، وبطريقتهم هذهِ يجعلون أبناءهم يُعيدون نفس القصّة مع أحفادهم، وهكذا يحومون بنفس الدائرة.
فيأتي الأبُ يكدّ ويتعب من أجل أبنائه، ويُخطّط لهُم المستقبل الذي يُناسبهُ هُوَ وليس الذي يناسبهم، وعند وصولهم لمرحلة الدّراسة الجامعيّة، يجدون أنّ والدهُم قد اختار لهُم التّخصّص الذي يتوافق مع رغباته من دون أخذ رأيهم، عندها تبدأ الصراعاتُ بينهم في سبيلْ تحقيق كلٌ منهم لأحلامهِ المرجوّة.
وفي نهاية المطاف، غالباً ما يكون الانتصار للأب الذي استخدمَ أسلوب الابتزاز العاطفيّ والتّفضل عليهم وتذكيرهم بالصعوبات التي تحمّلها من أجلهم وعقوق الوالدين والخ، فيرضخ الأبناء لرغبة الآباء من مفهوم الطّاعةِ والبِر.
وبعد ذلك يبدأ الأبُ يفخرُ بأبنائهِ الذين حققوا لهُ أحلامه، ويشعُر بالسّعادةُ تملأُ حياته، ولكن ماذا عن الأبناء؟؟!!! ناجحون نعم.. ولكنّهم تُعساء، لم يُعيشوا حياتهم كما يحبّون، لم يتخصّصوا ولم يعملوا بما يطمحون.
أمّا في الجانب الآخر، نجد الأبناء الذين واجهوا آباءهم ولم يتنازلوا عن أحلامهم.. هُم الأقلّيّة، هؤلاء سيعيشون حياتهم كما يريدون، ولكنّهم سيُصبحونَ من المنبوذين، فقط لأنّهم انتصروا لأنفسهم في حقّهم من الحياة بطريقتهم، ولكن مع الأسف لن تكتمل سعادتهم بسبب نُبذهُم وعدم تقبُّلهُم في المجتمع.
فهل من العدل أن يعيش الآباء حياتين وفرصتين؟
وهل ستستمر سعادة الآباء لو علموا أنّهم السبب في ضياع حياة أبنائهم وتعاستهم؟
فليُدركْ الآباء أنّ لأبنائهم حق الحرّيّة الكاملة في الحياة، «فلا يصحُّ بناء أحلامٌ على أحلام».