ياسمينا صلاح
حذر من التسبب في فجوة بين الأبناء
قال الباحث الشرعي والتربوي موسى الطارقي أن هناك فجوة تنتج بين الإخوة في الأسرة الواحدة وأحياناً بين أبناء الرجل الواحد من أمهات شتى وذلك قد يكون بسبب خلافات الزوجين مع بعضهما بعضاً، مبينا أن الأسباب التي تحدث الفجوة بين الإخوة تصنف إلى صنفين اثنين.
وأكد الطارقي أن الفجوة بين الإخوة قد تحدث بين الإخوة الذكور بالذات بسبب البون الشاسع في العمر، فعندما نجد طالباً في أواخر المرحلة الجامعية مثلاً يرزق والداه بطفل جديد يوافقه في الجنس، وبينهما بون شاسع في العمر، ليكون الفرق بينهما على أقل تقدير عشرين عاماً، وهو ما يقترب من الفارق الذي اعتمده علماء الاجتماع كفارق مؤثر بين الأجيال، مما يجعل التفاهم بينهم أحياناً شبه معدوم خاصة إذا كبر الطفل الجديد وبلغ سناً يطالب فيه بمن يشاركه اللعب، ولا يجد في الوسط الأسري غير أخيه الذي تلعب الفجوة العمرية بينهما دوراً كبيراً في إبعاد أحدهما عن الآخر.
ويرى العالم الاجتماعي كارل مانهايم أن اختلافات الأجيال تكون في انتقالهم من مرحلة إلى مرحلة أخرى، وقد درس علماء الاجتماع الطرق التي تفرّق الأجيال عن بعضها بعضاً ليس فقط في المنزل بل في المناسبات الاجتماعية أو في الأماكن الاجتماعية، وظهرت النظرية الاجتماعية للفجوة بين الأجيال في عام 1960 عندما بدأ الجيل الجديد «المعروف لاحقاً بفترة طفرة المواليد» بمعارضة جميع معتقدات الجيل السابقة من حيث القيم والآراء.
وأشار عالم الاجتماع إلى أن «الفجوة بين الأجيال» عادة ما تدعو الفئات العمرية إلى ممارسة النشاطات الرئيسة -كل على حدة- فينعزل كل جيل جسدياً عن الجيل الآخر مع التفاعل القليل بسبب الحواجز العمرية»، وهذه الفجوة تعتمد بطبيعة الحال على طريقة تعامل الوالدين مع أولادهم، والأسلوب التربوي الذي يمارسانه.
ونوه إلى أن الحلول تكون عن طريق تدريب الأخ الأكبر على العناية بأخيه الأصغر وممارسة دور الأبوة بإشراف من الأبوين ليشعر الأخ الأصغر بدفء الحماية من أخيه، بالإضافة إلى أنه قد يبوح الأصغر في سن مراهقته لأخيه بمشكلات قد لا يكون البوح بها للأبوين ممكناً مما يجعل الأخ الأكبر يلعب دور المربي ويحاول حل تلك المشكلات فيتسارع النضج إليه أكثر من غيره، هذا في حال توافق الجنس بين الأخوين الأكبر والأصغر.
وتابع: «أما فيما لو اختلف الجنسان فكان أحدهما أنثى والآخر ذكراً حينها لا تلعب الفجوة بينهما بوناً شاسعاً لعامل اختلاف الجنس، فمتطلبات الأنثى تختلف عن متطلبات الذكر، فلو كانت الأخت الكبرى أنثى والأخ الأصغر ذكراً كانت الأخت له كالأم، خاصة إذا وكل الأبوان العناية بأخيها إليها تدريجياً، وسرعان ما تتقن الأنثى دور الأمومة لأنها تمارس الأمومة منذ نعومة أظفارها مع عرائسها، لأنها أم بالفطرة، وإذا وجدت الدعم والمساندة والتشجيع من أبويها كان ذلك تدريباً عملياً لها وتهيئة حية لاكتساب الخبرة في التعامل من الأطفال، فتكون أكثر نضجاً في التعامل مع أبنائها إذا تزوجت، فلا تكون حينها الفجوة العمرية مؤثرة تأثيراً سلبياً بل سيكون أثرها إيجابياً».
واشار إلى أن العامل التربوي كذلك يلعب دوره الفاعل حين يذيب الفارق العمري بين الأخ الأكبر والأخت الصغرى، التي يتاح للأخ الأكبر ممارسة الأبوة عليها، لأنه كما أسلفنا التغاير في الجنس بين الأبناء يقلل فرص الغيرة، ولا يدع للضغينة طريقاً لتتراكم في القلوب.
وأضاف أن الأبوين يلعبان دوراً هاماً في إذابة الفارق العمري بين الأبناء، ويجب عليهما رفع ثقافتهما في ذلك خاصة في حال توافق الجنس بين الأبناء حتى لا تكون الغيرة والمقارنة المقيتة سبباً في إحداث فجوة سلبية قد تكون الضغينة أول نتائجها.
وقال إن الصنف الثاني الذي قد يسبب فجوة هو الأسباب الأسرية، تلك الأسباب التي يكون سلوك أحد الأبوين سبباً في زيادة الفجوة بين الإخوة ومنها، تفضيل أحد الإخوة على الآخر وذلك عندما يمارس الأبوان أسلوب المقارنة بين الإخوة، أو تفضيل أخ على أخيه لتفوق ما، فإن ذلك يحزن الأخ الآخر خاصة إذا كان المتعثر على تقدير الأبوين هو الأخ الأكبر، مما يجعله يختار بناء حاجز كبير بينه وبين أخيه، يعمق الفجوة ويزيد التباعد بينهما، هذا إذا لم يصل إلى الإضرار به نتيجة الكراهية التي كان لأحد الأبوين دور في إذكائها بين الأخوين.
وأضاف إن تعميق أحد الأبوين الفجوة في الأبناء نتيجة خلاف أسري أو زوجي، حيث إنه حين يختلف الزوجان وينقسم الأبناء قسمين قسم يناصر الأم وقسم يناصر الأب، ليساهم كل فريق في إيقاع النكال بالفريق الثاني، ويسعى الأبوان أحياناً في تعميق الفجوة بين الأبناء نتيجة هذا الخلاف الأسري والنزاع الزوجي، لذا نحذر الأزواج حين التنازع أن يكون الأبناء طرفاً في هذا الخلاف، ويستدعي النضج الأسري والزوجي إلى أن يبقى الأبناء في منأى عن هذا الخلاف وإن النضج العقلي والتربوي للأبوين عامل مؤثر كل الأثر في رأب الصدع بل في الوقاية من وقوع الفرق أصلاً وحدوث الفجوة بين الإخوة، لأن الترابط بين أبناء الأسرة الواحدة لبنة مهمة في بناء الترابط بين أفراد المجتمع بأسره.