رئيفة عبدالعزيز
الحُكّام ليسوا أولئك الذين يحكمون الأرض ومن عليها!!! بل أولئك الذين حكموا على أنفُسهُم الظُلم بسبب حُكمهم على الناس، الذين استصعبوا البحث عن رسائلهُم الرّوحيّة والتي هي السبب الرئيس لتواجدهم في هذه الحياة.. وبما أنّهم يعيشون الفراغ..
فقد خلقوا لأنفسهم رسالةً وهميّةً حتى ينشغلون بها ويُشبعون فِطرتهُم الرّوحيّة، وكُلّما زاد عددهُم كُلّما شعروا بالقوّة أكثر وبِأنّهُم على حق، وبتلك الطّريقة يُمضون حياتهُم آمنين مُطمئنّين وهم يحسبون أنهم يحسنون صُنعاً.
وما أكثرهم في مُجتمعاتنا الذين يظنّون أنّهُم بأحكامهم على الناس سيكونون من المُصلحين والمرشدين، وأنهُم سينالون رِضاً من الله، وفي المقابل نجدُ بعضاً من الآيات الكريمة التي تُبيّنُ لنا بأنّ إطلاق الأحكام على النّاس ليست من شأن البشر بل هي عائدة للهِ، فكما قال الحقّ سبحانه: (إنِ الحُكْمُ إلا لله يقصُّ الحق وهو خيرُ الفاصلين) وأيضاً (وَمَا آخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَىْء فَحُكْمُهُ إِلَى آللَّهِ ذَلِكُمُ آللَّهُ رَبِّى عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ)، فأيُّ جُرأةٍ يُمارسها أولئك الحُكّام على الله!!! وأيُّ ذنبٍ يرتكبونهُ في حقِّ أنفسهُم عندما يتدخّلون في الحُكم الإلهيُّ وكأنّهُم قد حصلوا على تصريح إلهي مُفعّل لِإطلاق الأحكام على النّاسِ، بل ويتوارثونهُ جيلاً بعد جيلٍ بكُلّ فخرٍ واعتزاز، قد برّؤوا أنفسهم من تلك الآيات ونسبوها للكفّار حتى لا تفسُد عليهم رسالتهم الوهميّة ويعودوا للفراغِ مرّةً أخرى.
والمُصيبة إنْ كانت أحكامهم تشملُ نوايا الناس والتّنبؤ بِغيبيّاتهم!!! فقط لما يرونهُ من ظاهرهم، والأسوأ من ذلك أنّهُم أكثر من ينصح النّاس بِـ(إنّ بعض الظنِّ إثم) والنّهي عن (الغيبة والنّميمة) وترديدهم لحديث الرّسول عليهِ الصّلاة والسّلام (المسلمُ من سلِم النّاس من لسانه ويده)، وهُم غير مُدركين أنّهُم من أكثر النّاس مُخالفةً للحديث الشّريف، وغير منتبهين أنّهُم بتِلك الأحكام هُم من أكثر النّاس إيذاءً للبشر وجرحاً لمشاعرهم، وأيضاً يُصبحون عائقاً أمام الذين وجدوا رسالتهُم الرّوحيّة ويريدون تأديتها.
فلو أنهم سخّروا تِلك الطّاقات الجبّارة في البحث عن رسائلهم الحقيقيّة لكانوا قد رحِموا أنفسهم وخدموا البشريّة كُلّها بحُبٍ وسلام.