رؤى الحايكي
بعد تغير المفاهيم وتأويلها إلى جانب زيادة التوترات المحيطة بنا وانقلاب البشر بعضهم على بعض سواء كان ذلك بصورة مباشرة وواضحة من خلال المنافسة أو الخلافات أو بصورة غير مباشرة في الخفاء، وبعد تغير توقعات الناس وطموحاتهم، يفقد عقل الإنسان قدرته على الصبر والتحمل، يتعب وينهار، يبكي من هول مشقته.
لقد أصبح البشر يركضون خلف غير المستطاع وغير المناسب وغير المعقول! بعد كل ذلك وأكثر هل بقي من العقل شيء؟ بمعنى هل تخلى الإنسان عن عقله تدريجيا وهو في غفله من أمره في زمن الانفتاح والمباح والمتاح؟
اليوم من هو العاقل؟ هل من يركض وراء تحقيق غايات وأهداف غير واقعية عاقل؟ هل متابعة أخبار الناس ومشاكلهم عن طريق قنوات التواصل الإجتماعي أو عن طرق أخرى عقل؟ هل الابتعاد عن تطوير الذات وفقدان الاستقرار النفسي الحقيقي عقل؟ هل ترك الموروثات الاجتماعية والثقافية والركض وراء ثقافات دخيلة على مجتمعنا عقل؟ من غير المعقول ومن غير المقبول التنازل عن عرش العقل في مقابل الظهور بصور عصرية تنادي بالانفتاح والتطور والتحرر.
من وجهة نظري الجنون ليس بالضرورة معناه فقط اختلال لوظائف العقل الذي يؤدي لاختلال السلوكات والفهم. إن الجنون ببساطة هو كل تفكير وكل عدم تفكير يبعدان الإنسان عن منفعته الحقيقية ويأخذانه إلى طريق تضيع من بعده قيمه الأصيله ومرتكزاته، ومع الوقت تضيع من بين أصابعه حياته الكريمة والسعيدة.
قرأت عبارة استوقفتني وأحزنتني كثيرا ولها من المعاني الكثير وهي «إنما العقلاء في غربة». ذلك صحيح، غربة لأنهم أصبحوا الأقلية، غربة لأنهم يستغربون كل ما يجري من حولهم، غربة لأنهم لا ينتمون بعد اليوم إلى من باع العقل في مقابل لحظات يشعر فيها بأنه يواكب العصر والحريات واللامعقول.
نحن نكررها دوما في حياتنا اليومية (عبارة هل أنت مجنون؟) ونصف كل ما هو خارج عن المألوف بالجنون والمجون. لكن للأسف كثرت التصرفات والسلوكات الدخيلة على المجتمع بسبب جنون بعض الناس وتبنيهم أفكارا طرقت أبوابهم من خلال فضائيات أو شبكات تواصل أو غيرها.
زاد الجنون وفقد العقل وضاعت سنوات طويلة وتراكمات ثقافية وتربوية نقلتها أجيال بعد أجيال. للأسف أقول، الكل يركض وراء الكل وبعيدا عن موروثات ثقافية واجتماعية أصيلة وجميله كانت ولاتزال هي الهوية والأساس والنبراس لحياتنا.