أميرة صليبيخ




نعم.. لقد مرت عشر عجاف منذ وفاة أمي.. وخلالها عودت نفسي على التجاوز، وعودت ذاكرتي على التناسي حتى أضمن قدرتي على المضي في هذه الحياة بأقل قدر من الوجع. لكني في كل عيد أم أفقد قدرتي على ممارسة هذه الحيل فأسقط في بئر الحقيقة بأنه لم تعد من أمٍ هنا!

في كل عيد أم.. أتظاهر بالقوة وأتجرأ على الابتسام في وجوه الآخرين، لأنني لو بكيت سيقولون بأني بالغت في الدراما، وأنا في الحقيقة لست سوى طفلة أضاعت في أحد الأيام والدتها عند أحد القبور.. كما أني في كل عيد لها أتجنب أن أفتح المذياع لأني أخاف أن تصدح في أذني أغنية «ست الحبايب» فتصيبني في مقتل. والغريب إني لا زلت بعد هذه السنوات استشعر حجم الفراغ المتكاثر في صدري من دون أمي، ومهما حاولت الهروب من هذا الشعور بالانشغال طوال اليوم، إلا أنني في كل ليلة عندما أخلد إلى النوم يقفز في وجهي وجهها الذي غطوه بالبياض، فأُصابُ بالرعب وألجأ إلى النوم سريعاً.. هرباً من هذه الحقيقة!

ما علمتني إياه هذه السنوات هو أن الحياة -بجميع ما فيها من مر وتعاسة- ستمضي، وهذه الحقيقة كافية لأن تمدك بالقوة التي تحتاجها لتجاوز جميع ما تشعر وستشعر به. إن إدراكك المبكر بأن كل الأوجاع ستكون أخف وطأة غداً يجعلك تشعر بنوع من الطمأنينة، ومهما تمردت بداخلك الأوجاع ستخمد، ومهما بدت شرسة وقادرة على إيلامك ستبقى أنت سيد مشاعرك. فلا تمنحها حق السيطرة عليك أبداً.

ما تعلمته من وفاتها أيضاً هو أن الحياة لن تعود كما كانت أبداً ولكنها لن تبقى عرجاء أيضاً.. دائماً هناك حكمة وخير فيما يحدث. ومهما كانت خساراتك، تعلم دائماً الوقوف على قدميك. قف وأركل الألم قبل أن يركلك لأنه ما أن يفعل ذلك فلن يتوقف.

لذا إن كانت لك أم فلتحتفل بها كل يوم وكل لحظة وتحاول إسعادها وبرّها قدر المستطاع ولتحمد الله على هذه النعمة العظيمة، وتعلمّ أن تقدر جميع النعم التي لديك، حاول أن تزاحم الهموم بالشكر حتى تفّر من صدرك، فكلما ركزت على ما ينقصك لن تشعر سوى بالخذلان والألم.. عليك أن تختار جيداً ما تريد أن تشعر به طوال الوقت..عن نفسي فقد قررت أن أستمر بالاحتفال بأمي وأن أمنحها الخلود بالكتابة عنها.