بقلم: د . حبيب النامليتي




يقول الله تعالى: «إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ 60 وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ «قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ 61»،«التوبة».

الزكاة ركن من أركان الإسلام التي بُني عليها، قرنها الله بالصلاة في كتابه، قال تعالى: «وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة»، وقد شرعت في السنة الثانية للهجرة، ولما بَعَثَ نبينا صلى الله عليه وسلم مُعَاذاً إِلَى الْيَمَنِ، قال له: «إِنَّ اللَّهَ قَدِ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ، تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ.

وفي الزكاة طهرة لمال المسلم من الدنس، وحصانة من الآفات، وطهارة لقلبه من الشح والبخل، «خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا» «التوبة: 103»، وتقوية لأواصر التواصل بين أفراد المجتمع، تقضـي على البطالة والفقر وهما من أسباب انتشار الجريمة؛ فدين الإسلام دين شامل لجميع حاجات الناس، كما فيه تنظيم لعلاقة الإنسان بربه وفي مجتمعه، وقد شرعت الزكاة وفق نظام إسلامي دقيق، سواء في الأموال التي تخرج منها الزكاة، والنسبة المخرَجة من كل نوع من الأموال، والأصناف التي تستفيد منه، فهو نظام إسلامي ينظم المجتمع، ويسعى لتقليل الفوارق بين أفراده.

أما هذه الآيات فتبين أصناف الناس الذين يجب دفع الزكاة لهم، وهم:

- الفقراء والمساكين الذين لا يجدون ما يكفيهم لقضاء حوائجهم الأساسية.

- العاملين عليها: وهم السعاة والجباة الذين يجمعونها بتكليف من الدولة، يعطون على قدر أعمالهم.

- المؤلفة قلوبهم: من يُرجى إسلامهم أو دفع شرهم عن المسلمين، أو إسلام غيرهم أو تثبيتهم على الإسلام، فصنفان مسلمان - وصنفان كافران، فكان عليه الصلاة والسلام يعطي المال يتألف به الناس.

- الرقاب: عتق الأرقاء، بأن يشترى من مال الزكاة فتعتق مما يدل على تشجيع الإسلام للحرية، ويدخل فيه فكاك الأسرى.

- الغارمين: المدينين، من ركبتهم الديون فلا يستطيعون الوفاء بها، ومن غرموا لإصلاح ذات البين.

- في سبيل الله: في الجهاد للغزاة، والمرابطين على الحدود لإعلاء كلمة الله تعالى.

- ابن السبيل: المسافر المنقطع، وهو من انقطعت به الأسباب في سفره عن بلده.

ثم تذكر الآيات بعضا من قبائح المنافقين، فهذه السورة ـ سورة التوبة ـ تسمى الفاضحة، فكانوا يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم على وجه القدح والطعن، والأذى اللفظي، بأنه أُذن يسمع لكل ما يقال له من الأخبار والآراء فيصدقه، ولا يفرق بين الصحيح والباطل، والنبي صلى الله عليه وسلم أبعد عن ذلك، فرد الله عليهم بأنه أُذن خير؛ يسمع الخير لا الشـر، ويؤمن للمؤمنين، يصدق المؤمنين فيما يخبرونه لما علم من إيمانهم، ورحمة؛ حيث لم يكشف أسرارهم ولم يفضحهم، ثم ختمت الآيات ببيان حكم من يؤذي رسول الله، فقال تعالى: «الذين يؤذون رسول الله»، فيه عموم لكل من يؤذي رسول الله في حياته وبعد وفاته لهم عذاب أليم.