أحياناً أتمنى لو يكون هناك باب للهروب من الكرة الأرضية، أو أن يكون هناك زر للانتقال لبُعد آخر بعيداً عن الضغوطات وأهوال البشر، وأحياناً أتمنى لو أتحول إلى قطعة جماد لا تشعر ولا تتأثر.
فمن المتعب حقاً أن تمضي بعقل مملوء بالصراعات والأفكار، ولا تجد متسعاً لبعض التفكير السليم الهادئ، وكل الأفكار والمشاعر حولك تطاردك وتحاول أن تقتص من راحتك وسلامك الداخلي، وأنت تقف وحيداً أعزلاً في مواجهة هذا الهجوم الشرس.
كل موقف عصيب تمر به يشعل بداخلك حروباً لا تهدأ، وكل كلمة مؤلمة تضع غمادها في قلبك، وتستقر بلا تردد، وتبقى أنت في هذه الدائرة الملعونة ما بين موقف عصيب وكلمة مؤلمة وذكرى تعيسة، تجر خلفك أذيال التعاسة اللانهائية، لأن عقلك عاجز أن يهدأ قليلاً.
بالنسبة لي، بعد أن أهدأ وأعود لطبيعتي البشرية أجد أنني مثلكم، قد أكون بالغت في ردة فعلي، واكتشف ككل مرة، أن كل ما أحتاجه حتى أخفف عن نفسي هذه الأحمال هو: كتاب جيد.
الكتب أصدقائي، فمثلما نلجأ إلى أصدقائنا البشر في وقت الشدة والعسر، الكتب أهل أن تلجأ لها أيضاً. فبالرغم من أنها لا تملك أيادٍ لتواسيك وتحضنك، لكن كلماتها على الورق تستطيع أن تطبطب على قلبك المتألم، وتستطيع أن تخفف توترك وترفع معنوياتك، وتسيطر على أفكارك السلبية، بل هي قادرة على جعلك تغرق في النوم أيضاً. ومع ذلك لا زلت أعجز عن فهم سبب عزوف البعض عن القراءة والاستهانة بقدراتها اللانهائية على إعادة ضبط مزاجك وتوازنك وحياتك بأكملها.
عندما توفت أمي بشكل مفاجئ ذات صباح، اختل عالمي بأكمله، نظام النوم والشرب والعمل والعلاقات، كل شيء كان يربطني بالحياة. كنت غارقة في الحزن وإخوتي أيضاً. لم يستطع أحد منا أن يساعد الآخر. انفردت بنفسي بعد أيام العزاء، وجلست لأيام وأسابيع أقرأ وأقرأ. كانت القراءة مخدراً يسري في قلبي وعقلي، واستطاعت أن تهدئ من روعي، وتمنحني القوة والشجاعة اللازمة للوقوف مرة أخرى.
كانت تعالجني مع كل صفحة وتعزلني عن الألم قدر الإمكان. كانت تمنحني أفقاً واسعاً حتى أستطيع فهم الحياة والمواقف والمعاناة بشكل أكبر. كانت لها القدرة على جعلي انغمس في العوالم مدهشة وأتناسى أوجاعي، كانت تعيد تعريف المفاهيم بالنسبة لي. فليس كل موت يعني نهاية وليس كل بكاء يعني ضعفاً وانكساراً. جعلتني أرى الأمور بشكل مختلف حتى استطعت أن أستعيد توازني مرة أخرى وأخرج بدرع منيع لمواجهة العالم مرة أخرى.
ولا زلت حتى اليوم، بعد كل دوامة أعيشها، ألجأ من بعد الله إلى الكتب؛ لأنها بالفعل طوق النجاة.