في كل لحظة نستخدم فيها الهاتف أو نضغط على رابط أو ننشئ حسابًا على تطبيق جديد نترك أثرًا رقميًا خلفنا، هذا الأثر الذي يعرف بالبيانات الشخصية، قد يبدو غير مهم في ظاهره، لكنه في الواقع يمثل صورة دقيقة عن هويتنا، عاداتنا، وحتى ميولنا النفسية والاستهلاكية، ومع توسع الإنترنت وتحوله إلى مساحة مفتوحة للمشاركة والتفاعل أصبحت مسألة حماية هذه البيانات أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى.

الوصول السهل إلى التطبيقات والمنصات الرقمية جعل الكثيرين لا يدركون حجم البيانات التي يشاركونها بشكل طوعي، والتي يتم جمعها بشكل تلقائي دون علمهم، من مواقع التواصل إلى خدمات التوصيل، تمر معلوماتنا بسلاسة عبر الشبكات، وقد تصل إلى أطراف لا نعرفها تستخدم لأغراض مختلفة، أو في أسوأ الحالات تستغل لأعمال غير قانونية.

من يتحكم فعلاً ببياناتنا؟

في المشهد الرقمي المعاصر لم تعد الشركات التقنية مجرد مقدمي خدمات، بل أصبحت حاضنة لبيانات الملايين حول العالم، وكذلك تطبيقات لا تحصى كلها تجمع البيانات بشكل منهجي، بحجة تحسين التجربة أو تخصيص المحتوى، ولكن هذه البيانات بمجرد أن تغادر جهاز المستخدم، تصبح خارج سيطرته، وفي الواقع، القوانين التي تنظم التعامل مع البيانات لا تزال غير متكافئة بين الدول، مما يفتح الباب أمام استغلال فجوات قانونية أو تكنولوجية.

حتى تلك الشركات التي تعلن التزامها بالخصوصية قد تتعرض للاختراق أو التسريب، وهو ما حصل بالفعل في حوادث عالمية كبرى، وهذا يعني أن وجود سياسة خصوصية لا يعني دائمًا الأمان بل هو مجرد خطوة أولى في طريق طويل ومعقد.

هل يمكن للمستخدم أن يحمي نفسه؟

في ظل هذا الواقع لا يمكن انتظار الحماية الكاملة من الحكومات أو الشركات فقط، بل يجب أن يبدأ المستخدم بنفسه، والوعي هو أول خط دفاع، وفهم كيفية عمل التطبيقات والمواقع، ومراجعة الصلاحيات التي نمنحها للتطبيقات، واستخدام أدوات الحماية مثل VPN أو التحقق الثنائي أصبح ضرورة وليس ترفًا.

المشكلة أن العديد من المستخدمين لا يقرأون سياسات الخصوصية، ولا يفكرون في البيانات التي يشاركونها حتى بعد وقوع المشكلة، ولذلك فإن جزءًا من المسؤولية يقع على عاتق الفرد لا لحمايته فقط، بل لحماية مجتمعه الرقمي ككل.

بين القانون والواقع

على الرغم من الجهود المتزايدة لوضع قوانين أكثر صرامة مثل اللائحة العامة لحماية البيانات في أوروبا (GDPR) لا تزال هناك فجوات كثيرة خصوصًا في دول لا تملك تشريعات قوية، وكثير من الشركات تتهرب من المسؤولية أو تضع شروطًا طويلة ومعقدة تجعل المستخدم يوافق دون فهم، وحتى مع وجود القوانين فإن التنفيذ يبقى بطيئًا، والتحقيقات قد تستغرق سنوات.

هذا التأخير في الاستجابة القانونية يجعل البيانات عرضة للاستغلال، ويضعف الثقة في النظام الرقمي ككل، وهنا يبرز سؤال مهم هل نحن نعيش فعلاً في فضاء آمن أم في بيئة منفتحة لا يمكن السيطرة عليها؟.