كثيراً ما نجد أنفسنا عالقين في دائرة المقارنة بالآخرين؛ فهذا أكثر ثراءً، وذاك أجمل، وآخر أذكى. على الرغم من أننا نمتلك قدرات خاصة بنا مختلفة عن الآخرين، ولكننا نتجاهلها لأننا نريد أن نكون نسخة من الآخرين الذين نجحوا بطريقتهم، وساعدتهم ظروفهم الخاصة بهم، ومواهبهم التي يمتلكونها، أو الحظ الذي كان حليفهم، ونبقى نحن داخل سجن أوهامنا نخشى إثبات ذواتنا، وخوض فرص جديدة خوفاً من الفشل. ونحن بذلك ننسى أن التنوع هو جوهر الحياة وسرّ جمالها وازدهارها. إننا كبشر نختلف في اللون والشكل والخلفية الاجتماعية والثقافية والدين والمعتقد، وهذا التنوّع يمثّل ثراءً لا يمكن قياسه بالأرقام.
تؤكد الدراسات النفسية أن المقارنة المستمرة بالآخرين تُقلل من الشعور بالرضا عن الذات، وتزيد القلق والاكتئاب. فقد أظهرت دراسة نُشرت في مجلة علم النفس الاجتماعي والعيادي عام 2018 أن الأشخاص الذين يقضون وقتاً أطول في مقارنة أنفسهم بالآخرين عبر وسائل التواصل الاجتماعي تقل سعادتهم، ويقل تقديرهم لذواتهم.
في المقابل، عندما ننظر إلى الاختلاف على أنه مصدر للتعلّم والنمو، يصبح نعمة لا تقدر بثمن. إن اختلافنا يمنحنا زوايا رؤية متعددة. لكلٍ منّا قاربه الذي يُبحر به نحو هدف خاص، ونافذته التي يرى العالم من خلالها، وتجاربُه التي صقلته وصنعت قناعاته. ما يسعدك قد لا يسعد غيرك، وما يليق بك قد لايليق بآخر. فتنوع الألوان هو ما يمنح اللوحة جمالها؛ كذلك نحن.
تُشير الدراسات الاجتماعية إلى أن المجتمعات الأكثر تنوعاً ثقافياً وعرقياً تكون أكثر إبداعاً. فقد وجدت دراسة لمؤسسة ماكينزي (2020) أن الشركات التي تتميز بتنوع ثقافي وعرقي في فرق العمل تزيد فرصها لتحقيق أرباح أعلى بنسبة 36% مقارنة بالشركات الأقل تنوعاً.
ولو فكّرنا قليلاً: ماذا لو اتفق الناس جميعًا على فكرٍ واحد؟ ستخبو شرارة الإبداع وينعدم التطوّر. ولو تشابهت الأدوار، لانهار التوازن. لو كنّا جميعًا أطباء أو مهندسين أو معلّمين، فمن يبني ومن يزرع؟ ولو كنّا جميعاً ذكوراً أو إناثاً، لانقرضت البشرية. لولا حاجتنا لبعضنا البعض لما كان هناك تعاون أو تكامل. إن اختلافاتنا فرصة للنمو وتعلّم المرونة وتقبل الآخر المختلف، وان تنوعنا هو الذي يصنع لوحة إنسانية رائعة؛ كلٌّ منّا يضيف لوناً فريداً إلى اللوحة، وباجتماع الألوان بتناغم، نحصل على تحفة تعكس جمال الوحدة في ظل هذا التنوّع.
فلنجعل اختلافاتنا مصدر قوة، وبدلاً من مقارنة أنفسنا بالآخرين، لنقدّر ما يميز كلّ واحدٍ فينا ونحتفي به، ولنحاول أن نصل إلى أفضل نسخة منا، وليس نسخة مشوهة من الآخرين، حتى يصبح العالم مكاناً أجمل وأفضل لقبول جميع الناس باختلافاتهم المتنوعة.
* أستاذة جامعية في علم النفس