إرم نيوز
أثارت عودة قيادات سنية، سياسية وأخرى قبلية، من المنفى جدلًا واسعًا في الأوساط الشعبية، لجهة تزامنها مع الصراع السياسي، الدائر حول تشكيل الحكومة.

وتحولت تلك القيادات إلى ورقة ضغط بيد رئيس الوزراء الأسبق، وزعيم ”الإطار التنسيقي“ نوري المالكي، الذي منحها الضوء الأخضر للعودة، وإجراء تسويات بشأن القضايا المرفوعة ضدهم، وفق وسائل إعلام محلية.

ونزل خبر عودة الزعيم القبلي علي حاتم سليمان، إلى بغداد، كالصاعقة على أسماع العراقيين، بسبب العداء المستحكم بينه وبين الأطراف السياسية في العاصمة، التي تتهمه بالإرهاب، والوقوف وراء دخول تنظيم داعش إلى المحافظات السنية، فيما يتهم هو الآخر، تلك القوى بالعمالة لإيران.

وعلي الحاتم، يلقب بـ“أمير عشائر الدليم“، وهي كبرى القبائل في محافظة الأنبار، وهو أحد رموز الاحتجاجات السنية، العام 2012، وكان قبلها على وفاق وصلح مع نوري المالكي، لكن العداء استحكم بين الطرفين منذ ذلك الحين، وسادت لهجة خطاب حادة وتخوينية، من قبل الزعيم القبلي تجاه المالكي.

وكان السليمان، يقيم بين قطر وأربيل عاصمة إقليم كردستان.

ووفقًا لوسائل إعلام، فإن هناك مذكرات قبض عديدة ضد السليمان صدرت، العام 2013، بتهمة ”التحريض على العنف“، وكذلك في 2016، صدرت مذكرة قبض أخرى عن ”محكمة التحقيق المركزية“، وفق المادة ”4 / ارهاب“.

حرب على ”مدّعي الزعامة“

وقال السليمان، في تغريدة عبر ”تويتر“، يوم الأربعاء الماضي، إنه ”بعدما عانت الأنبار من مشاريع التطرف والإرهاب، وتحولت إلى مرحلة الهيمنة والديكتاتورية، وتكميم الأفواه والفساد، نعلنها من بغداد أن هذه الأفعال ستواجه بردة فعل لن يتوقعها أصحاب مشاريع التطبيع والتقسيم ومن سرق حقوق المكون“.

وأضاف: ”على من يدّعي الزعامة أن يفهم.. هذه هي الفرصة الأخيرة“.

وبحسب وسائل إعلام محلية، فإن رئيس ائتلاف دولة القانون، وزعيم ”الإطار التنسيقي“ نوري المالكي، هو من استضاف الزعيم القبلي، وأجرى له تسوية، بعد أيام قضاها علي الحاتم، في طهران، وفق تسريبات.

لكن مكتب المالكي نفى علاقته بعودة الزعيم القبلي، واعتبر ذلك دعاية مضادة.

وقال هشام الركابي مدير مكتب المالكي في بيان إن ”تداول أكذوبة استقبال نوري المالكي لعلي حاتم السليمان بهذا الشكل من الإصرار على الكذب والتزوير يكشف أن هناك جهات متضررة من وجود السليمان في بغداد وقلقة من عودته إلى الأنبار“.

وأضاف، أن تلك الجهات ”تعمل على توظيف ما تملك من فضائيات وجيوش الكترونية لغرض ترسيخ كذبة قمنا بنفيها بشكل قاطع، مع التأكيد على أن قرار السماح للمطلوبين بالمجيء إلى بغداد ليس بيد المالكي لأنه لا يمتلك، اليوم، أي منصب تنفيذي يتيح له التدخل في مثل هذه القضايا“.

لكن معلقين ومدونين أطلقوا هاشتاغات عدة على مواقع التواصل الاجتماعي، بشأن عودة السليمان، وعلاقة المالكي بذلك، باعتبار تلك العودة تمثل ورقة رابحة، نكاية برئيس البرلمان محمد الحلبوسي، الذي تحالف مع الصدر، ما يعني إيجاد حالة من التوازن في محافظة الأنبار، وعدم ترك الساحة للحلبوسي، بمفرده.

وبرز الحلبوسي إلى الساحة السياسية بشكل كبير، عقب خلو المحافظات السنية من القادة السابقين، بسبب الملاحقات القضائية، والتضييق الحاصل على الكثير منهم، وهو ما منحه فرصة للبروز بقوة، وتأسيس تحالف ”تقدم“ الذي يمتلك نحو 40 مقعدًا في البرلمان، وأصبح هو واجهة الكتل السنية.

منافسة شرسة

وقبل عودة الزعيم القبلي علي حاتم، فإن ضوءًا أخضر مُنح لوزير المالية الأسبق رافع العيساوي، بالعودة إلى بغداد، لتسوية الدعاوى القضائية المرفوعة ضده، وهو أحد الملاحقين أيضًا، بتهم الإرهاب والفساد، وتسبب اعقتال حمايته، العام 2012، بالشرارة التي أشعلت الاحتجاجات في المحافظات السنية، العام 2012.

وينحدر العيساوي من قضاء الفلوجة الشهير، بمحافظة الأنبار، كبرى مدن البلاد، ويحظى بجماهيرية واسعة، ويُعتقد على نطاق واسع، أنه ربما يشكل خطرًا أو ندًا لرئيس البرلمان محمد الحلبوسي، على رغم أن العلاقة بين الطرفين لا تتسم بالندية أو الخصومة.

هنا، يؤكد الخبير في الشأن العراقي، علي البيدر، أن ”عودة مثل تلك الشخصيات، ظاهرة صحية، وربما تساهم بخلق حالة من التنافس داخل المكون السني، نحو تقديم الخدمات للأهالي في تلك المناطق، ومحاولة رأب الصدع الطائفي داخل العملية السياسية، وربما أيضًا تكريس حالة جديدة من المصالحة السياسية والمجتمعية في البلاد، بل المفترض أن تتسع شريحة احتضان الجميع في المشهد السياسي بعيدًا عن التسقيط، والتسقيط المتبادل“.

لكن البيدر، يتحدث في تصريح لـ“إرم نيوز“ عن إشكالية في تلك العودة، بأنها ”جاءت لضرب أطراف سياسية سنية، وهي رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، وحليفه خميس الخنجر، وبعض المتحالفين معهما، وهذا ما يخلق بابًا من التنافس على الزعامة السنية، ويقوض نفوذ بعضها“.

ويرى البيدر، أن ”قوى الإطار التنسيقي، تسعى من خلال ذلك إلى إضافة تحالف (إنقاذ الوطن) عبر استعادة هكذا شخصيات“.

ولم يُصبّ الرفض العراقي، بمجمله حول عودة المطلوبين وتسوية ملفاتهم القضائية، بقدر الجدل الذي اتجه نحو طريقة إعادتهم، واستخدامهم كأدوات ضغط من قبل قوى الإطار التنسيقي، على الكتل السنية، بهدف إضعافها، أو إيجاد أنداد لها، مع علم الكثيرين بأن تلك الشخصيات، مطلوبة، وفق تهم كيدية، بدليل سرعة التسويات القضائية لملفاتها.

في غمرة تلك الحملة، برزت ملامح تسوية أخرى قادمة، بشأن النائب الأسبق أحمد العلواني، وهو أحد الرموز القبلية أيضًا والسياسية في محافظة الأنبار، وهو يقبع حاليًا في سجن الناصرية، حيث ينتظر حكم الأعدام الصادر بحقه، لكن أنباء تداولتها وسائل إعلام وناشطون، عن قرب إنهاء أزمته، وصولًا إلى إطلاق سراحه.

وتفتح تلك التسويات الباب واسعًا أمام عودة نائب رئيس الجمهورية الأسبق طارق الهاشمي، وهو أحد الرموز القيادية الذين أقصاهم المالكي آنذاك، وكذلك النائب عمر عبدالستار، وعشرات رجال الدين الذين خرجوا إلى دول أخرى تحسبًا من الاعتقال.