صحيفة القبس الكويتية
في إجراء تاريخي، طلبت فنلندا والسويد رسمياً الانضمام إلى حلف شمالي الأطلسي «ناتو» لتودعا بذلك تاريخاً طويلاً من الحياد العسكري، وتفتحا الباب على مصراعيه أمام التكهنات بوقع تلك الخطوة على الأمن الأوروبي في ذروة صراع محتدم تشهده القارة بين روسيا وأوكرانيا.

الأمن الأوروبي

فالناتو الذي يضم 30 بلداً منهم 21 عضواً في الاتحاد الأوروبي - بعد خروج بريطانيا من الاتحاد - سيرتفع عدد أعضائه إلى 32 بانضمام فنلندا والسويد ما سيدفع نحو توسيع رقعة التعاون الأوروبي - الأطلسي ويجعل الجانبين أقرب لبعضهما من أي وقت بفعل التأثيرات الطويلة الأمد في منظومة الأمن الأوروبي التي سيخلفها التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا.

وهذا ما أشار إليه الممثل الأعلى للسياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل عندما قال إن «الاتحاد الأوروبي والناتو أظهرا وحدة قوية في مواجهة الغزو الروسي لأوكرانيا» وإن التوسع الجديد للناتو شمالاً «دليل على أن أوروبا تعتبر الحلف حصناً لأمن القارة وحمايتها من روسيا» وشدد أيضاً على أن خطوة هلسنكي واستوكهولم ستحدث تغييراً جذرياً في الأمن الأوروبي.

تغيير جذري وحاسم

كذلك وصف الأمين العام للناتو ينس شتولتنبرغ الأربعاء الماضي أثناء تسلمه طلبي فنلندا والسويد للالتحاق بالحلف تلك اللحظة ب«الحاسمة» وأكد أن البلدين بإمكانهما الاعتماد على الدعم الكامل من الاتحاد الأوروبي خلال انضمامهما للأطلسي.

وقد تعد خطوة فنلندا والسويد أهم تمدد للناتو على مدار عقود، فهي مساع إن تكللت بالنجاح ستزيد طول حدود الحلف مع روسيا بمرتين بانضمام بلدين يشتركان في حدود مع روسيا تصل إلى 1300 كيلومتر.

لذا لقي هذا القرار ترحيباً حاراً من الاتحاد الأوروبي وأمين عام الناتو والولايات المتحدة، فهو كما وصفه بوريل سيزيد عدد دول «الأوروبي» في الناتو ويعزز التعاون والأمن في القارة.

كما أظهرت خطوة انضمام فنلندا والسويد للناتو تحولاً كبيراً في الرأي العام في الشمال الأوروبي بسبب المخاوف من روسيا بعد عمليتها العسكرية في أوكرانيا منذ الـ24 من فبراير الماضي وقرب الدولتين الاسكندنافيتين من روسيا.

فقبل التدخل العسكري الروسي كانت الغالبية في البلدين على قناعة بأنهم أكثر أماناً خارج الأحلاف العسكرية، لكن الخطوة الروسية جعلت الرأي العام في البلدين العضوين في الاتحاد الأوروبي في موقف مناوئ لموسكو.

كذلك أبدى المحللون ووسائل الإعلام في أوروبا سعادتهم بتوسع الناتو في شمالي القارة، الذي على إثره ستكون روسيا على حدود سبع دول في الناتو بدلاً من خمس هي إستونيا ولاتفيا «عبر منطقة كالينينغراد» وليتوانيا وبولندا وكذلك النرويج في منطقة مورمانسك.

إنهاء الحياد

وتوقعت صحيفة «لاتريبيون» الفرنسية أن تندفع جميع دول أوروبا إلى الانحياز ما سيعني إنهاء الحياد، مشيرة إلى أن التكتلات العسكرية بدأت تتشكل تدريجياً «ما سيجعل أوروبا من الآن في ملتقى تقاطع أزمات دائم».

وكتب جيمي شيا النائب السابق للأمين العام للناتو في مقال لمعهد «أصدقاء أوروب» في بروكسل أن عضوية الناتو للسويد وفنلندا أخبار سارة لأمن أوروبا «نظراً للهيكل الجيوسياسي الجديد في أوروبا وموقف روسيا العدواني تجاه جيرانها الغربيين».

ورأى أن الموقف الروسي سيلزم الأوروبيين بالشروع في التعامل مع مسألة دفاعهم بجدية والتفكير لفترة أطول وأصعب في كيفية تطوير القدرات والحس السليم والمرونة «لضمان عدم حدوث ما حدث للأوكرانيين الشجعان بعد ذلك».

فرصة ذهبية

واعتبر أن التدخل الروسي في أوكرانيا الذي قالت موسكو إنه من أجل وقف زحف الناتو نحوها، قد أدى لنتيجة عكسية بأن أصبح الحلف على مقربة منها «ومنحه فرصة ذهبية لإظهار أنه لا يخشى تهديدات بوتين».

وشدد شيا في الوقت ذاته على ضرورة ألا يؤدي توسع الناتو إلى زيادة التوتر في أوروبا، تزامناً مع تهديدات روسية بـ «عواقب عسكرية وسياسية خطيرة» إذا انضمت فنلندا والسويد إلى الحلف.

فقد حذر نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف من أن انضمام فنلندا والسويد إلى الناتو سيكون «خطأ له عواقب بعيدة المدى» محذراً من أن مستوى التوتر العسكري في المنطقة سيرتفع على نحو يصعب التنبؤ به وأضاف «من المؤسف التضحية بالفطرة السليمة لبعض الأفكار الوهمية حول ما يجب القيام به في الوضع الحالي».

تدابير مضادة

كما أعلن وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو أن بلاده ستنشئ قواعد عسكرية جديدة في الجزء الغربي من روسيا باعتبارها «تدابير مضادة مناسبة لمحاولات فنلندا والسويد الانضمام إلى الناتو»، وأن روسيا بحلول نهاية العام ستكون قد أنشأت 12 وحدة وفرقة عسكرية في المنطقة العسكرية الغربية.

وفي ظل كل تلك التطورات يتوقع أن تبقى الحرب في أوكرانيا أزمة طويلة ومعقدة وسط مخاوف تلوح في الأفق من توسعها وانضمام دول أوروبية أخرى إلى خط المواجهة.

اعتراض تركي

وفي سياق متصل، سرعان ما أعقب إعلان فنلندا والسويد اعتراض تركي بسبب موقف البلدين من الجماعات المسلحة المناوئة لتركيا وعلى رأسها حزب العمال الكردستاني «بي كي كي».

وأبلغ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأمين العام للناتو ينس شتولتنبرغ في اتصال هاتفي السبت الماضي، أن أنقرة ستدعم عضوية فنلندا والسويد في الناتو إذا أظهرتا بوضوح تضامنهما مع مخاوف بلاده الأمنية.

ويرجح أن تنشط الدبلوماسية بين تركيا والناتو وفنلندا والسويد قبل حلول قمة الحلف في مدريد نهاية يونيو المقبل، إذ من المتوقع أن يصادق قادة الحلف على عضوية البلدين.

لكن تركيا ليست وحدها في معارضة انضمام فنلندا والسويد إلى الناتو فهناك كرواتيا التي تعتبر الأمر مغامرة خطيرة وتطالب بتغيير قانون الانتخابات في البوسنة والهرسك قبل الموافقة على عضوية فنلندا والسويد في الناتو.

في المقابل، سارعت الصحافة الأوروبية باتهام تركيا وكرواتيا بـ «محاولة تحقيق أهداف سياسية خاصة» من وراء تلك المعارضة.

ووفقاً لمحللين فإنه «من الخطأ أن تقلل أنقرة من حجم قرار تأخير تمدد الناتو التاريخي ورد الفعل السلبي الذي قد تواجهه من كل حلفاء الناتو، في وقت تحاول فيه تركيا ردم الهوة بينها وبين حلفائها الغربيين».

وعموماً فإن فنلندا والسويد تطويان بقرارهما الانضمام للناتو تاريخاً طويلاً من الحياد العسكري التقليدي، في واحدة من أهم التغيرات التي تطال هيكل الأمن في أوروبا على مدار عقود.