تلفزيون الشرق
أعاد الغزو الروسي لأوكرانيا، والذي يتم الجمعة، عامه الأول، أعاد إحياء التحالف الغربي الذي وقف متحداً ضد روسيا، مشكلاً ما وصفه الرئيس الأميركي جو بايدن بـ"التحالف الدولي". ولكن نظرة أقرب، تتخطى حدود الغرب، تظهر أن العالم بات أبعد ما يكون عن الوحدة في القضايا التي تثيرها الحرب في أوكرانيا.
صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، رأت أن النزاع في أوكرانيا كشف "الانقسام الدولي العميق"، وحدود النفوذ الأميركي في نظام عالمي يتغير باستمرار، مشيرة إلى أن محاولات عزل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "فشلت"، ليس فقط بين حلفاء موسكو مثل الصين وإيران، اللتين كان وقوفهما مع روسيا متوقعاً. إذ لفتت الصحيفة إلى أن دولاً مثل الهند، أعلنت الأسبوع الماضي أن حجم تجارتها مع روسيا نما بنسبة 400% منذ الغزو.
وقالت إنه في الأسابيع الست الأخيرة فقط، تم الترحيب بوزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في تسع دول إفريقية وشرق أوسطية، من بينها جنوب إفريقيا، التي وصفت وزيرة خارجيتها ناليدي باندور اجتماعها بالوزير الروسي بـ"الرائع"، ووصفت روسيا وجنوب إفريقيا بأنهما "أصدقاء".
ومع حلول ذكرى الغزو، الجمعة، ستكون البحرية الجنوب إفريقية منخرطة في مناورات عسكرية مع روسيا والصين في المحيط الهندي، مرسلة إشارة تضامن قوية مع موسكو، في وقت كانت واشنطن تأمل في أن تشكّل المناسبة فرصة لإحياء الإدانة الدولية الواسعة لروسيا.
وقالت "واشنطن بوست" إن اللقاءات مع أناس من جنوب إفريقيا، وكينيا، والهند تشي برؤى متناقضة للنزاع، لا يحركها السؤال عما إذا كان الغزو الروسي لأوكرانيا خطأ، إنما تحركها المظالم التاريخية ضد الغرب، بسبب الاستعمار، وما يرونه من "غرور"، وكذلك فشل الغرب في تخصيص الموارد التي قدمها لأوكرانيا لحل نزاعات وانتهاكات لحقوق الإنسان في أجزاء أخرى من العالم، مثل الأراضي الفلسطينية، وإثيوبيا، والكونغو الديمقراطية.
مسؤولون أميركيون لفتوا إلى أنه فيما صوتت 141 دولة من أصل 193 في الأمم المتحدة لإدانة روسيا عقب الغزو، إضافة إلى تصويت 143 دولة لإدانة ضم روسيا أجزاء من أوكرانيا، إلا أن 33 دولة فقط فرضت عقوبات على روسيا، فيما قدم عدد مماثل من الدول مساعدات فتاكة لكييف.
وقدرت الوحدة الاقتصادية في أجهزة الاستخبارات الأميركية العام الماضي، أن ثلثي سكان العالم يعيشون في دول امتنعت عن إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا.
حقيقة المعركة
وقال الهندي باسكار دوتال، وهو موظف في كلكوتا، إن "الدول الغربية منافقة. هؤلاء الناس احتلوا العالم كله"، لافتاً إلى أن ما فعلته روسيا لا يمكن الموافقة عليه، ولكن في الوقت ذاته، لا يمكنك أن تلومها بشكل كامل".
من جهته، رأى ويليام جوميدي مؤسس ورئيس مركز "العمل من أجل الديموقراطية" (Democracy Works Foundation) في جوهانسبرج، أن "هذه ليست معركة بين الحرية والديكتاتورية كما يقول بايدن"، لافتاً إلى رفض جنوب إفريقيا، والهند، والبرازيل الانضمام إلى تحالف بايدن الدولي.
واعتبر جوميدي، أن "التردد في دعم الموقف الغربي، هو نتاج لأكثر من عقد من المشاعر السلبية المتراكمة ضد الولايات المتحدة وحلفائها، والذين فقدوا بشكل متزايد الرغبة في التعامل مع مشكلات الجنوب العالمي".
وأَضاف: "الغرب فشل عبر الـ15 عاماً الماضية، في رؤية الغضب يتصاعد حول العالم، وروسيا استغلت ذلك بالطبع. روسيا كانت قادرة على رسم النزاع في أوكرانيا، على أنه حرب ضد الناتو. الغرب مقابل بقية العالم".
وفيما، انسحب الغرب من إفريقيا، ملأت روسيا والصين الفراغ، متوددين إلى الدول النامية، مستغلين خيبة الأمل في الولايات المتحدة أوروبا، عبر تقديم أنفسهما كبديل للهيمنة الغربية.
وأشارت "واشنطن بوست" إلى أن الشرق الأوسط وإفريقيا، هي مناطق رئيسية للصراع على عقول الناس وقلوبهم، وآسيا بدرجة أقل، وأميركا اللاتينية التي ترتبط حظوظها بالولايات المتحدة بشكل أكبر بفعل الجغرافيا.
"بالطبع أؤيد بوتين"
المصري فيصل، وهو خبير استشاري متقاعد في مجال الجريمة المنظمة وطلب عدم ذكر اسمه كاملاً، قال إن "الشرق الأوسط هو الإقليم الوحيد الذي نجحت روسيا في كسب أصدقاء جدد ونفوذ فيه". وأضاف: "بالطبع أن أؤيد بوتين. فقدنا الإيمان بالغرب منذ وقت طويل. كل العرب في هذا الجانب من العالم يؤيدون بوتين، ونحن سعداء بسماع أنه يكسب المزيد من الأراضي في أوكرانيا".
أما وكيل وزارة الخارجية الهندي السابق كانوال سيبال، فقال إنه "رغم الجهود الغربية لإلقاء اللوم على التضخم العالمي، وأزمة أسعار الغذاء على الغزو الروسي، إلا أن أغلب الدول حول العالم تلوم الغرب لفرضه عقوبات على موسكو".
وأشار سيبال إلى أن الناس حول العالم لا يؤمنون بالسردية التي تقول إن مواجهة روسيا هي واجب أخلاقي. وشدد على أنه "إذا أردنا الحفاظ على الديمقراطية ووحدة أراضي الدول، والنظام العالمي القائم على القواعد".
وتابع: "هذه ليست حجة يأخذها الناس على محمل الجد"، مشيراً إلى "قصف الناتو صربيا، والدعم الأميركي للديكتاتوريات خلال الحرب الباردة، وغزو العراق كمثال على انتهاك الولايات المتحدة للقواعد ذاتها".
وقال: "بقية العالم تنظر إلى هذه الحرب على أنها حرب أوروبية خالصة. لا يرونها كنزاع عالمي أو بالطريقة التي يرسمها الغرب. ولكن، لهذه الحرب تداعيات عالمية مثل التضخم، ولكن هذه التداعيات سببها العقوبات".
الهند.. نفط روسيا وسلاحها
وقال وكيل وزارة الخارجية الهندية السابق: "برفضها المخاطرة بعلاقتها مع روسيا، اتخذت الهند قراراً يصب في مصلحتها الخاصة، بما في ذلك اعتمادها على روسيا في إمداداتها العسكرية، وكذلك محاولة تجنب آثار التضخم عبر شراء النفط الروسي الرخيص".
وأشار سيبل إلى أن عشرات الآلاف من الجنود الصينيين يحتشدون على حدود الهند مع الصين، غريم الهند الجيوسياسي، وبالتالي لا يمكن للهند إبعاد روسيا أو المخاطرة بانقطاع سلسلة إمدادها التسليحي.
وزاد: "تحتاج الولايات المتحدة إلى الهند لمواجهة النفوذ الصيني، فبعد محاولات أولية للضغط على نيودلهي للانضمام إلى الاصطفاف الغربي، يبدو أن موقف الهند تم قبوله".
وقررت الولايات المتحدة ألا تفرض عقوبات على الهند بسبب صفقة صواريخ أتمتها مع روسيا العام الماضي، وسعت في المقابل إلى توسيع علاقاتها مع الصين، بما في ذلك منحها صفقات أسلحة.
تفهُّم أقلّ
تجدر الإشارة إلى أن قرار جنوب إفريقيا المشاركة في مناورات عسكرية مع روسيا والصين، قوبل بقدر أقل من التفهم من الولايات المتحدة. وعبر دبلوماسيون غربيون عن قلقهم من توقيت المناورات وطبيعتها، قائلين إن جنوب أفريقيا تنحرف عن الحياد الذي لطالما دعت إليه وباتت تنجرف ناحية الوقوف مع روسيا.
وأشار مسؤولون في جنوب إفريقيا إلى أن البلد شارك في مناورات عسكرية مع الولايات المتحدة العام الماضي، لكن مسؤولا أميركياً رد قائلاً إن تلك التدريبات كانت تختص برد الفعل على الكوارث الإنسانية، أما المناورات مع الصين وروسيا والتي بدأت في 18 فبراير، فتشمل قدرات هجومية بحرية، يمكنها أن تحسن من قدرات روسيا القتالية بحراً.
وستضم القوة الروسية المشاركة في المناورات واحدة من القطع البحرية الروسية الأبرز وهي الأدميرال جورشكوف، والتي تقول روسيا إنها زودتها بصاروخ "زيركون" الأسرع من الصوت.
من جهته، أشار المتحدث باسم حزب "التحالف الديمقراطي المعارض" في جنوب إفريقيا كوبوس مارياس، إلى أن المناورات تمنح روسيا دفعة علاقات عامة كبيرة في وقت يركز فيه الغرب على الذكرى السنوية الأولى للغزو.
وقال إن جنوب أفريقيا أصبحت واحدة من "أغبياء روسيا المفيدين" ويمكنها أن تصبح متورطة في جرائم حرب، خصوصاً إذا تم نشر سفينة الأدميرال جورشكوف لاحقاً في مهمات صاروخية في أوكرانيا.
سفينة غامضة
وتأتي التدريبات الروسية الجنوب إفريقية، عقب رسو غامض لسفينة روسية تدعى "Lady R" في ميناء جنوب إفريقي في ديسمبر، علماً أن السفينة المذكورة خاضعة لعقوبات أميركية، لانخراطها في نقل أسلحة روسية.
ورفض ميناء كيب تاون، المقصد الأصلي للسفينة، طلبها بالرسو، فكان أن أبحرت أميالاً عدة إلى ميناء أصغر في مدينة سيمون تاون، حيث تمت رؤيتها وهي تفرغ حاويات قبل أن يتم تحميل حاويات أخرى على متنها، قال مارياس إن منشأ تلك الحاويات هو موقع مخازن ذخيرة القوات الخاصة الجنوب إفريقية.
وأرسلت الحكومة الأميركية تحذيراً رسمياً إلى حكومة جنوب إفريقيا، بأن أي كيان تعامل مع السفينة سيخاطر بالوقوع تحت طائلة العقوبات الثانوية، ولكنها لم تتلق رداً، وفقاً لمسؤول أميركي.
وذكرت وزارة الدفاع في جنوب إفريقيا أنها تحقق في الأمر. ولكن المسؤول الأميركي قال إن "الموقف الظاهري بالحياد، إذا كنا نريد مجاملته، أصبح من الصعب تصديقه".
أسباب الولاء لروسيا
واستثمرت الولايات المتحدة بكثافة في جنوب إفريقيا بعد إنهاء نظام الفصل العنصري، وهي أكبر مستثمر أجنبي وأكبر سوق لصادرات البلاد، ما يجعل من غير المنطقي مخاطرة جنوب إفريقيا بعلاقاتها مع واشنطن.
ولكن للدولة الإفريقية أسبابها في البقاء "مخلصة" لروسيا رغم المخاطر، كما يقول الجنوب إفريقيون.
فحزب الكونجرس الإفريقي الوطني الحاكم، كان مدعوماً من قبل الاتحاد السوفيتي خلال العقود التي قضاها في المنفى خلال فترة الـ"أبارتهايد"، وتلقى الكثير من قادة الحزب تدريباً في الاتحاد السوفيتي بما في ذلك وزير الدفاع النافذ ثاندي موديسي.
وفي شوارع سوتو، المنطقة الحضرية الواسعة على حدود جوهانسبرج، والتي كانت مركزاً لمقاومة الـ"أبارتهايد"، لا يزال السكان ينظرون إلى روسيا كحليف.
وقال إيلايجا نودلفو (51 عاماً) إن "روسيا كانت معنا حين كنا في الأغلال. نحن لا نقول إن روسيا جيدة لتدميرها أوكرانيا، ولكن إذا سألتنا مع من نقف في هذه الحرب؟ يجب أن نكون أمناء. لا يمكننا أن ندير ظهورنا لروسيا".
وقال شاكيس ماتلهونج (33 عاماً)، إن فهمه لذلك النزاع كان مشوشاً، ولكنه لطالما اعتبر الولايات المتحدة "قوة استعمارية" والآن "روسيا ترد".
وقال ماتلهونج إن "موقف إفريقيا في هذه الحرب، هو أن روسيا تدافع عن نفسها ضد حلف الناتو، روسيا لم تشارك في الاستعمار، ربما تكون روسيا مخطئة، ولكن سلوك الناس يحدده التاريخ".
واعتبرت السفيرة الأوكرانية في جنوب إفريقيا ليبوف أبرافيتوفا إن بوتين "استغل أن روسيا لم تشارك في استعمار إفريقيا، ودعم الاتحاد السوفيتي لحركات التحرر في القارة".
ولكنها اعترفت بصعوبة الفوز بتعاطف الأفارقة مع القضية الأوكرانية. وختمت بالقول: "كارت روسيا الوحيد هو أن الروس لم يستعمروا إفريقيا. ولكن هذا الأمر صحيح أيضاً بالنسبة إلى أوكرانيا، فهي لم تستعمرها".
أعاد الغزو الروسي لأوكرانيا، والذي يتم الجمعة، عامه الأول، أعاد إحياء التحالف الغربي الذي وقف متحداً ضد روسيا، مشكلاً ما وصفه الرئيس الأميركي جو بايدن بـ"التحالف الدولي". ولكن نظرة أقرب، تتخطى حدود الغرب، تظهر أن العالم بات أبعد ما يكون عن الوحدة في القضايا التي تثيرها الحرب في أوكرانيا.
صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، رأت أن النزاع في أوكرانيا كشف "الانقسام الدولي العميق"، وحدود النفوذ الأميركي في نظام عالمي يتغير باستمرار، مشيرة إلى أن محاولات عزل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "فشلت"، ليس فقط بين حلفاء موسكو مثل الصين وإيران، اللتين كان وقوفهما مع روسيا متوقعاً. إذ لفتت الصحيفة إلى أن دولاً مثل الهند، أعلنت الأسبوع الماضي أن حجم تجارتها مع روسيا نما بنسبة 400% منذ الغزو.
وقالت إنه في الأسابيع الست الأخيرة فقط، تم الترحيب بوزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في تسع دول إفريقية وشرق أوسطية، من بينها جنوب إفريقيا، التي وصفت وزيرة خارجيتها ناليدي باندور اجتماعها بالوزير الروسي بـ"الرائع"، ووصفت روسيا وجنوب إفريقيا بأنهما "أصدقاء".
ومع حلول ذكرى الغزو، الجمعة، ستكون البحرية الجنوب إفريقية منخرطة في مناورات عسكرية مع روسيا والصين في المحيط الهندي، مرسلة إشارة تضامن قوية مع موسكو، في وقت كانت واشنطن تأمل في أن تشكّل المناسبة فرصة لإحياء الإدانة الدولية الواسعة لروسيا.
وقالت "واشنطن بوست" إن اللقاءات مع أناس من جنوب إفريقيا، وكينيا، والهند تشي برؤى متناقضة للنزاع، لا يحركها السؤال عما إذا كان الغزو الروسي لأوكرانيا خطأ، إنما تحركها المظالم التاريخية ضد الغرب، بسبب الاستعمار، وما يرونه من "غرور"، وكذلك فشل الغرب في تخصيص الموارد التي قدمها لأوكرانيا لحل نزاعات وانتهاكات لحقوق الإنسان في أجزاء أخرى من العالم، مثل الأراضي الفلسطينية، وإثيوبيا، والكونغو الديمقراطية.
مسؤولون أميركيون لفتوا إلى أنه فيما صوتت 141 دولة من أصل 193 في الأمم المتحدة لإدانة روسيا عقب الغزو، إضافة إلى تصويت 143 دولة لإدانة ضم روسيا أجزاء من أوكرانيا، إلا أن 33 دولة فقط فرضت عقوبات على روسيا، فيما قدم عدد مماثل من الدول مساعدات فتاكة لكييف.
وقدرت الوحدة الاقتصادية في أجهزة الاستخبارات الأميركية العام الماضي، أن ثلثي سكان العالم يعيشون في دول امتنعت عن إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا.
حقيقة المعركة
وقال الهندي باسكار دوتال، وهو موظف في كلكوتا، إن "الدول الغربية منافقة. هؤلاء الناس احتلوا العالم كله"، لافتاً إلى أن ما فعلته روسيا لا يمكن الموافقة عليه، ولكن في الوقت ذاته، لا يمكنك أن تلومها بشكل كامل".
من جهته، رأى ويليام جوميدي مؤسس ورئيس مركز "العمل من أجل الديموقراطية" (Democracy Works Foundation) في جوهانسبرج، أن "هذه ليست معركة بين الحرية والديكتاتورية كما يقول بايدن"، لافتاً إلى رفض جنوب إفريقيا، والهند، والبرازيل الانضمام إلى تحالف بايدن الدولي.
واعتبر جوميدي، أن "التردد في دعم الموقف الغربي، هو نتاج لأكثر من عقد من المشاعر السلبية المتراكمة ضد الولايات المتحدة وحلفائها، والذين فقدوا بشكل متزايد الرغبة في التعامل مع مشكلات الجنوب العالمي".
وأَضاف: "الغرب فشل عبر الـ15 عاماً الماضية، في رؤية الغضب يتصاعد حول العالم، وروسيا استغلت ذلك بالطبع. روسيا كانت قادرة على رسم النزاع في أوكرانيا، على أنه حرب ضد الناتو. الغرب مقابل بقية العالم".
وفيما، انسحب الغرب من إفريقيا، ملأت روسيا والصين الفراغ، متوددين إلى الدول النامية، مستغلين خيبة الأمل في الولايات المتحدة أوروبا، عبر تقديم أنفسهما كبديل للهيمنة الغربية.
وأشارت "واشنطن بوست" إلى أن الشرق الأوسط وإفريقيا، هي مناطق رئيسية للصراع على عقول الناس وقلوبهم، وآسيا بدرجة أقل، وأميركا اللاتينية التي ترتبط حظوظها بالولايات المتحدة بشكل أكبر بفعل الجغرافيا.
"بالطبع أؤيد بوتين"
المصري فيصل، وهو خبير استشاري متقاعد في مجال الجريمة المنظمة وطلب عدم ذكر اسمه كاملاً، قال إن "الشرق الأوسط هو الإقليم الوحيد الذي نجحت روسيا في كسب أصدقاء جدد ونفوذ فيه". وأضاف: "بالطبع أن أؤيد بوتين. فقدنا الإيمان بالغرب منذ وقت طويل. كل العرب في هذا الجانب من العالم يؤيدون بوتين، ونحن سعداء بسماع أنه يكسب المزيد من الأراضي في أوكرانيا".
أما وكيل وزارة الخارجية الهندي السابق كانوال سيبال، فقال إنه "رغم الجهود الغربية لإلقاء اللوم على التضخم العالمي، وأزمة أسعار الغذاء على الغزو الروسي، إلا أن أغلب الدول حول العالم تلوم الغرب لفرضه عقوبات على موسكو".
وأشار سيبال إلى أن الناس حول العالم لا يؤمنون بالسردية التي تقول إن مواجهة روسيا هي واجب أخلاقي. وشدد على أنه "إذا أردنا الحفاظ على الديمقراطية ووحدة أراضي الدول، والنظام العالمي القائم على القواعد".
وتابع: "هذه ليست حجة يأخذها الناس على محمل الجد"، مشيراً إلى "قصف الناتو صربيا، والدعم الأميركي للديكتاتوريات خلال الحرب الباردة، وغزو العراق كمثال على انتهاك الولايات المتحدة للقواعد ذاتها".
وقال: "بقية العالم تنظر إلى هذه الحرب على أنها حرب أوروبية خالصة. لا يرونها كنزاع عالمي أو بالطريقة التي يرسمها الغرب. ولكن، لهذه الحرب تداعيات عالمية مثل التضخم، ولكن هذه التداعيات سببها العقوبات".
الهند.. نفط روسيا وسلاحها
وقال وكيل وزارة الخارجية الهندية السابق: "برفضها المخاطرة بعلاقتها مع روسيا، اتخذت الهند قراراً يصب في مصلحتها الخاصة، بما في ذلك اعتمادها على روسيا في إمداداتها العسكرية، وكذلك محاولة تجنب آثار التضخم عبر شراء النفط الروسي الرخيص".
وأشار سيبل إلى أن عشرات الآلاف من الجنود الصينيين يحتشدون على حدود الهند مع الصين، غريم الهند الجيوسياسي، وبالتالي لا يمكن للهند إبعاد روسيا أو المخاطرة بانقطاع سلسلة إمدادها التسليحي.
وزاد: "تحتاج الولايات المتحدة إلى الهند لمواجهة النفوذ الصيني، فبعد محاولات أولية للضغط على نيودلهي للانضمام إلى الاصطفاف الغربي، يبدو أن موقف الهند تم قبوله".
وقررت الولايات المتحدة ألا تفرض عقوبات على الهند بسبب صفقة صواريخ أتمتها مع روسيا العام الماضي، وسعت في المقابل إلى توسيع علاقاتها مع الصين، بما في ذلك منحها صفقات أسلحة.
تفهُّم أقلّ
تجدر الإشارة إلى أن قرار جنوب إفريقيا المشاركة في مناورات عسكرية مع روسيا والصين، قوبل بقدر أقل من التفهم من الولايات المتحدة. وعبر دبلوماسيون غربيون عن قلقهم من توقيت المناورات وطبيعتها، قائلين إن جنوب أفريقيا تنحرف عن الحياد الذي لطالما دعت إليه وباتت تنجرف ناحية الوقوف مع روسيا.
وأشار مسؤولون في جنوب إفريقيا إلى أن البلد شارك في مناورات عسكرية مع الولايات المتحدة العام الماضي، لكن مسؤولا أميركياً رد قائلاً إن تلك التدريبات كانت تختص برد الفعل على الكوارث الإنسانية، أما المناورات مع الصين وروسيا والتي بدأت في 18 فبراير، فتشمل قدرات هجومية بحرية، يمكنها أن تحسن من قدرات روسيا القتالية بحراً.
وستضم القوة الروسية المشاركة في المناورات واحدة من القطع البحرية الروسية الأبرز وهي الأدميرال جورشكوف، والتي تقول روسيا إنها زودتها بصاروخ "زيركون" الأسرع من الصوت.
من جهته، أشار المتحدث باسم حزب "التحالف الديمقراطي المعارض" في جنوب إفريقيا كوبوس مارياس، إلى أن المناورات تمنح روسيا دفعة علاقات عامة كبيرة في وقت يركز فيه الغرب على الذكرى السنوية الأولى للغزو.
وقال إن جنوب أفريقيا أصبحت واحدة من "أغبياء روسيا المفيدين" ويمكنها أن تصبح متورطة في جرائم حرب، خصوصاً إذا تم نشر سفينة الأدميرال جورشكوف لاحقاً في مهمات صاروخية في أوكرانيا.
سفينة غامضة
وتأتي التدريبات الروسية الجنوب إفريقية، عقب رسو غامض لسفينة روسية تدعى "Lady R" في ميناء جنوب إفريقي في ديسمبر، علماً أن السفينة المذكورة خاضعة لعقوبات أميركية، لانخراطها في نقل أسلحة روسية.
ورفض ميناء كيب تاون، المقصد الأصلي للسفينة، طلبها بالرسو، فكان أن أبحرت أميالاً عدة إلى ميناء أصغر في مدينة سيمون تاون، حيث تمت رؤيتها وهي تفرغ حاويات قبل أن يتم تحميل حاويات أخرى على متنها، قال مارياس إن منشأ تلك الحاويات هو موقع مخازن ذخيرة القوات الخاصة الجنوب إفريقية.
وأرسلت الحكومة الأميركية تحذيراً رسمياً إلى حكومة جنوب إفريقيا، بأن أي كيان تعامل مع السفينة سيخاطر بالوقوع تحت طائلة العقوبات الثانوية، ولكنها لم تتلق رداً، وفقاً لمسؤول أميركي.
وذكرت وزارة الدفاع في جنوب إفريقيا أنها تحقق في الأمر. ولكن المسؤول الأميركي قال إن "الموقف الظاهري بالحياد، إذا كنا نريد مجاملته، أصبح من الصعب تصديقه".
أسباب الولاء لروسيا
واستثمرت الولايات المتحدة بكثافة في جنوب إفريقيا بعد إنهاء نظام الفصل العنصري، وهي أكبر مستثمر أجنبي وأكبر سوق لصادرات البلاد، ما يجعل من غير المنطقي مخاطرة جنوب إفريقيا بعلاقاتها مع واشنطن.
ولكن للدولة الإفريقية أسبابها في البقاء "مخلصة" لروسيا رغم المخاطر، كما يقول الجنوب إفريقيون.
فحزب الكونجرس الإفريقي الوطني الحاكم، كان مدعوماً من قبل الاتحاد السوفيتي خلال العقود التي قضاها في المنفى خلال فترة الـ"أبارتهايد"، وتلقى الكثير من قادة الحزب تدريباً في الاتحاد السوفيتي بما في ذلك وزير الدفاع النافذ ثاندي موديسي.
وفي شوارع سوتو، المنطقة الحضرية الواسعة على حدود جوهانسبرج، والتي كانت مركزاً لمقاومة الـ"أبارتهايد"، لا يزال السكان ينظرون إلى روسيا كحليف.
وقال إيلايجا نودلفو (51 عاماً) إن "روسيا كانت معنا حين كنا في الأغلال. نحن لا نقول إن روسيا جيدة لتدميرها أوكرانيا، ولكن إذا سألتنا مع من نقف في هذه الحرب؟ يجب أن نكون أمناء. لا يمكننا أن ندير ظهورنا لروسيا".
وقال شاكيس ماتلهونج (33 عاماً)، إن فهمه لذلك النزاع كان مشوشاً، ولكنه لطالما اعتبر الولايات المتحدة "قوة استعمارية" والآن "روسيا ترد".
وقال ماتلهونج إن "موقف إفريقيا في هذه الحرب، هو أن روسيا تدافع عن نفسها ضد حلف الناتو، روسيا لم تشارك في الاستعمار، ربما تكون روسيا مخطئة، ولكن سلوك الناس يحدده التاريخ".
واعتبرت السفيرة الأوكرانية في جنوب إفريقيا ليبوف أبرافيتوفا إن بوتين "استغل أن روسيا لم تشارك في استعمار إفريقيا، ودعم الاتحاد السوفيتي لحركات التحرر في القارة".
ولكنها اعترفت بصعوبة الفوز بتعاطف الأفارقة مع القضية الأوكرانية. وختمت بالقول: "كارت روسيا الوحيد هو أن الروس لم يستعمروا إفريقيا. ولكن هذا الأمر صحيح أيضاً بالنسبة إلى أوكرانيا، فهي لم تستعمرها".