إذا كان الفصل الأخير من رواية يفغيني بريغوجين قد كُتب بالفعل، فإن الكتاب لم يُغلق بعد، فمقتل قائد "فاغنر" أسال حبر التساؤلات حول مصير مجموعته وخليفته، وتفاصيل مصرعه.
تقول صحيفة "الغارديان" البريطانية في مقال تحليلي للكاتب بيتر بومونت، إنه "في أعقاب التمرد الذي قاده بريغوجين، في يونيو/حزيران الماضي، توقع رئيس وكالة الاستخبارات المركزية وليام بيرنز أن يأخذ الرئيس الروسي فلاديمير بوتن وقته في الانتقام.
"قطع الرأس"
ويضيف الكاتب أنه "في حين أن تفاصيل مقتل قائد فاغنر، في تحطم طائرة كانت تقل عشرة أشخاص شمالي موسكو، ما تزال غامضة، فإن الأمر الواضح هو أن هذه المجموعة العسكرية التي بناها بريغوجين، جرى احتواؤها أولاً ثم قطع رأسها".
ومع تقليص دور "فاغنر" البارز في العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا بشكل كبير بالفعل في أعقاب تمرده القصير نحو موسكو، والذي شكّل أكبر خطر لبوتين منذ توليه الحكم- ولو للحظة واحدة فقط، إلا أن بريغوجين كان يحاول استعادة بعض نفوذه الذي اكتسبه من خلال عملياته داخل المناطق الروسية أو خارجها، بحسب الصحيفة.
والأسبوع الجاري، نشر قائد فاغنر، مقطع فيديو من مكان ما، قيل إنه قد يكون في أفريقيا، مما يشير إلى أنه ربما وجد دورا جديدا، وأن أفعاله قد غفرت له، وفق مراقبين.
وفي المقطع المصور، قال بريغوجين، إنه كان يقوم بالتجنيد لعمليات في أفريقيا، بينما دعا أيضا المستثمرين من روسيا إلى وضع أموال في جمهورية أفريقيا الوسطى من خلال البيت الروسي، وهو مركز ثقافي في عاصمة الدولة الأفريقية.
لم يكن بريغوجين وحده من لقي حتفه في حادث تحطم طائرته. إذ كان برفقة ديمتري أوتكين، أحد أقرب حلفائه وشخصية رئيسية أخرى في فاغنر.
"لم تعد موجودة"
وتشير التقارير الواردة من قنوات التواصل الاجتماعي الروسية المرتبطة بفاغنر إلى أن أعضاء آخرين في قيادة المجموعة العسكرية ربما كانوا على متن الطائرة أيضا.
وخلصت "الجارديان" إلى أن "فاغنر" التي كانت في السابق، لم تعد موجودة.
إذ تقول تقارير إعلامية إن المئات من مقاتلي "فاغنر" الذين تم نفيهم إلى قواعد في بيلاروسيا بمغادرة ذلك البلد، والبعض الآخر، غير راضٍ عن مستويات الأجور المنخفضة في ذلك البلد، بينما انتقل آخرون للعمل في غرب إفريقيا، فيما انخفض عدد القوة هناك، من أكثر من 5000، بنحو الربع.
وفي روسيا نفسها، كانت عمليات فاغنر في حالة من التوقف خلال الشهرين الماضيين، حيث بدا أن بريغوجين وحلفاؤه كانوا يبحثون عن دور جديد في ظل استياء بوتين.
إنها النهاية
ومع خروج فاغنر من أوكرانيا، ربما كان السؤال الأكبر هو ما إذا كان بإمكانها الاستمرار بأي شكل قابل للتطبيق في الدول الأفريقية حيث كانت نشطة.
ونقل الكاتب عن نائب المارشال الجوي السابق في القوات الجوية الملكية البريطانية، شون بيل، قوله في يونيو/ حزيران "من دون بريغوجين، فإن فاغنر لا شيء".
وأوضح "إذا كانت مجموعة فاغنر هي يفغيني بريغوجين، فمن الصعب جدا أن تنجو. إنها النهاية كما نعرفها".
وفتحت لجنة التحقيق، أعلى هيئة لإنفاذ القانون في روسيا، تحقيقا جنائيا في حادث تحطم طائرة قائد "فاغنر".
وفي هذا الصدد، تتساءل "سي إن إن" الأمريكية، "سواء عرفنا السبب الحقيقي للحادث أم لا، فإن التحقيق الجاري الآن يشير إلى سؤال مهم: من سيكون لديه الدافع والوسائل للتخلص من بريغوجين وكبار مساعديه؟
ويؤكد مراقبون أنه بفضل الحرب الأوكرانية المستمرة منذ فبراير/شباط 2022، فرض قائد مجموعة فاغنر، نفسه لاعبا أساسيا في روسيا.
لكن الملياردير الحليق الرأس أصبح العد اللدود لرفيق الأمس، فلاديمير بوتين، منذ التمرد الفاشل الذي استمر 36 ساعة، حيث وصف الرئيس الروسي، ما أقدمت عليه "فاغنر" بأنه "خيانة".
لكن اللحظة التي حبس فيها العالم أنفاسه. كانت حيم زحفت قوات "فاغنر" نحو موسكو، وأسقطت طائرات للجيش الروسي.
وظل قائد "فاغنر"ــ رغم ابتعاده عن الأضواء ــ يظهر علنا، ويهنئ مسؤولا أفريقيا على هامش القمة الروسية الأفريقية في سانت بطرسبرغ، ويصدر تصريحات حول الانقلاب في النيجر.
لكن ربما كان على الرغم من ذلك، يتذكر أن الانتقام هو طبق من الأفضل تقديمه فاترا على الأقل، بغض النظر عن عدد أعدائه.