بين حدود أرمينيا وأذربيجان إقليم ناغورني كاراباخ وعقود من الجفاء والكراهية أيضا.
فقد شكل هذا الإقليم الانفصالي الذي سكنه أغلبية أرمنية لسنوات قنبلة موقوتة في القوقاز.
لكن فتيل تلك القنبلة أخمد أمس الخميس مع إعلان السلطات الانفصالية في تلك الجمهورية المعلنة من طرف واحد، حلها من الوجود، وذلك بعد أسبوع على هجوم خاطف شنته باكو ضدها.
سر العداء
فما سر العداء بين هاتين الجمهوريتين السوفيتيتين السابقتين في القوقاز، واللتين خاضتا حربين من أجل هذه المنطقة الجبلية الصغيرة التي يسكنها الأرمن بشكل رئيسي، لكن يعترف بها دولياً كجزء من أذربيجان.
تعد منطقة ناغورني كاراباخ سبب العلاقات المضطربة بين يريفان وباكو.
قفد أعلن هذا الجيب ذو الغالبية الأرمينية الذي ألحقته السلطات السوفيتية بأذربيجان عام 1921، استقلاله من جانب واحد عام 1991، بدعم من أرمينيا.
30 ألف قتيل
بعد ذلك، نشبت حرب عام 1988 التي استمرت حتى العام 1994 وخلّفت 30 ألف قتيل ومئات الآلاف من اللاجئين.
فسمحت الهزيمة التي منيت بها باكو ليريفان بالسيطرة على المنطقة ومناطق أذربيجانية مجاورة.
لكن في خريف 2020، اندلعت حرب جديدة أسفرت عن مقتل 6500 شخص خلال ستة أسابيع.
لكن هذه المرة، انتهت الحرب بهزيمة أرمينيا التي أُجبرت على التنازل عن مناطق مهمّة لأذربيجان في ناغورني كاراباخ ومحيطها.
ونشرت موسكو التي أدت دور الوسيط للتوصّل إلى وقف لإطلاق النار، قوات تدخّل في المنطقة لحفظ السلام.
لكن هؤلاء الجنود الروس البالغ عددهم ألفين لم يتمكنوا من منع وقوع اشتباكات ولا الحصار الذي فرضته باكو لأشهر وقالت يريفان إن هدفه "التطهير الإثني".
عداء تركيا
من جهتها، جعلت تركيا التي لديها طموحات جيواستراتيجية في منطقة القوقاز السوفيتية السابقة وآسيا الوسطى، من أذربيجان، الدولة الناطقة باللغة التركية والغنية بالنفط، حليفها الرئيسي في المنطقة، وهي صداقة عزّزتها الكراهية المشتركة تجاه أرمينيا.
كذلك، دعمت أنقرة باكو في رغبتها في السيطرة على ناغورني كاراباخ.
كذلك، لدى الأرمن عداء قديم تجاه تركيا بسبب الإبادة الجماعية التي قامت بها الإمبراطورية العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى وراح ضحيتها حوالي 1,5 مليون أرمني.
أما روسيا القوة الإقليمية الرئيسية، فتربطها بأرمينيا علاقات أوثق من تلك التي تربطها بأذربيجان، لكنّها تبيع الأسلحة للبلدين.
إلا أن يريفان انضمّت إلى التحالفات السياسية والاقتصادية والعسكرية التي تسيطر عليها موسكو، ومن أبرزها منظمة معاهدة الأمن الجماعي.
لاسيما أنها تحتاج إلى الدعم الروسي، فيما تزيد عدوّتها التي تعدّ أغنى منها بكثير، إنفاقها العسكري.
لكن هذا العام، وبسبب استيائه من عدم اكتراث روسيا أو عجزها عن التصرف في كاراباخ، ابتعد باشينيان عن موسكو وذهب إلى حد تنظيم مناورات عسكرية مشتركة مع الولايات المتحدة في أيلول/سبتمبر.
نفط مقابل مغتربين
في حين سعت أذربيجان خلال السنوات الأخيرة، بفضل ثروتها النفطية إلى تقديم نفسها للعالم، وللغرب خصوصا، بصورة بعيدة عن سمعتها المرتبطة بالاستبداد والمحسوبية.
واستثمرت بشكل خاص في الرعاية، خصوصاً في مجال كرة القدم. ومنذ العام 2016، تحوّلت أذربيجان أيضاً إلى موقع لسباق الجائزة الكبرى للفورمولا واحد.
وفي العام 2022 عقب الغزو الروسي لأوكرانيا، تحوّلت أذربيجان إلى مورّد نفط بديل عن روسيا في أوروبا.
في المقابل، يتميّز الأرمن المغتربون بعددهم الكبير وتأثيرهم حول العالم، لا سيما أنهم يُعدّون ورثة للاجئين من القمع العثماني.
وهكذا يلعب كل من البلدين على نقاط قوتهما من أجل استقطاب الغرب إلى قضيتهما.
تاريخ مضطرب وثورات
يشار إلى أن أرمينيا، البلد المسيحي عرفت منذ القرن الرابع، تاريخا مضطربا منذ استقلالها في العام 1991. فقد شهدت هذه الدولة الفقيرة وغير الساحلية نصيبها من الثورات والقمع المميت بالإضافة إلى انتخابات متنازع عليها بشدّة، بسبب نزعات المحسوبية والاستبداد لدى مختلف قادتها.
وفي ربيع 2018، أدّت ثورة سلمية إلى وصول رئيس الحكومة نيكول باشينيان إلى السلطة.
فنفذ هذا الأخير إصلاحات أشيد بها على نطاق واسع لإضفاء الطابع الديمقراطي على المؤسسات واجتثاث الفساد.
ورغم هزيمته في القتال الذي دار في العام 2020، تمكّن من تحقيق فوز انتخابي ساحق في الانتخابات التشريعية المبكرة التي أجريت في حزيران/يونيو 2021.
أما أذربيجان، الدولة الشيعية الواقعة على شواطئ بحر قزوين، فتخضع لسيطرة عائلة واحدة منذ العام 1993.
فقد حكم حيدر علييف، الجنرال السابق في جهاز الاستخبارات السوفيتية، البلاد بقبضة من حديد حتى تشرين الأول/أكتوبر 2003، ثمّ سلّم السلطة لابنه إلهام قبل أسابيع قليلة من وفاته.
وكما والده لم يسمح إلهام بظهور أي معارضة.
وفي العام 2017، عيّن زوجته مهريبان أول نائبة لرئيس أذربيجان.