"تقديرات خاطئة" و"قرارات متغطرسة" تضاعف من فشل إسرائيل في هجوم "حماس" كشف تحقيق أجرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، أن الجيش الإسرائيلي كان يعاني من نقص في عدد الأفراد وسوء تنظيم عند هجوم حركة "حماس" الفلسطينية في 7 أكتوبر، لدرجة أن الجنود تبادلوا المعلومات على مجموعات "واتساب" مرتجلة، ومنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي.وهرعت قوات الكوماندوز إلى المعركة وهي مسلحة لأغراض القتال لفترة وجيزة فقط، وتلقى طيارو المروحيات أوامر بالاطلاع على التقارير الإخبارية وقنوات تليجرام، لاختيار الأهداف. ولعل الأمر الأكثر سوءاً هو أن الجيش الإسرائيلي، لم تكن لديه خطة للرد على هجوم "حماس" واسع النطاق على الأراضي الإسرائيلية، وفقاً لما نقلته الصحيفة، السبت، عن جنود وضباط حاليين وسابقين.وأضاف الجنود والضباط الإسرائيليون، أنه "حتى إذا كانت هذه الخطة موجودة بالفعل، فلم يتم التدريب عليها ولم يتبعها أحد، وارتجلها الجنود أثناء تقدمهم خلال المعركة". وقال اللواء في الاحتياط الإسرائيلي والرئيس السابق للقيادة الجنوبية للجيش، يوم توف ساميا: "عملياً، لم يكن هناك إعداد دفاعي صحيح، ولا تدريب، ولا تجهيز وبناء قوة لمثل هذه العملية".وأشار العميد في الاحتياط والنائب السابق لقائد فرقة غزة المسؤولة عن حماية المنطقة، أمير أبيفي، إلى أنه "لم تكن هناك خطة دفاعية لهجوم مفاجئ مثل النوع الذي رأيناه في 7 أكتوبر".تقديرات أمنية خاطئة"ضعف الاستعداد" يتعارض مع المبدأ الأساسي للعقيدة العسكرية الإسرائيلية، وفقاً للصحيفة التي لفتت إلى أنه منذ أيام ديفيد بن جوريون، أول رئيس وزراء ووزير دفاع في إسرائيل، كان الهدف هو أن تكون القوات دائماً في حالة استعداد للهجوم، واستباق الهجمات بخوض المعارك على أرض العدو. ورداً على أسئلة عدة لـ"نيويورك تايمز"، تتعلق بتأكيدات الجنود والضباط أنه لم تكن هناك خطة، قال الجيش الإسرائيلي: "نركز حالياً على القضاء على تهديد حركة (حماس) الإرهابية، سيتم النظر في هذا النوع من المسائل لاحقاً".ويستند تحقيق الصحيفة إلى وثائق داخلية للحكومة الإسرائيلية ومصادر أخرى مختلفة تشمل لقطات فيديو، ومقابلات مع عشرات الضباط والمجندين وشهود عيان، تحدث بعضهم للصحيفة شرط عدم كشف هوياتهم، لأنهم غير مخولين بالتحدث علناً عن العمليات العسكرية. وكشفت الوثائق والمقابلات عن تفاصيل جديدة بشأن الهجوم، والتي أظهرت أن سبب "الفشل العسكري" يعود إلى عدم وجود خطة، إلى جانب "سلسلة من الأخطاء الاستخباراتية في الأشهر والسنوات التي سبقت الهجوم". وقدمت الأجهزة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية تقييمات متكررة تفيد بأن الحركة "غير مهتمة ولا قادرة على شن اجتياح واسع النطاق على إسرائيل"، كما تشبثت السلطات بهذه النظرة المتفائلة حتى عندما حصلت تل أبيب على خطط لـ"حماس" تكشف أن الاجتياح هو بالضبط ما كانت تخطط له الحركة. ووصفت الصحيفة هذه القرارات الإسرائيلية بـ"المتغطرسة"، إذ اعتبرت التقييمات أن إمكانية تنفيذ "حماس" هجوم على إسرائيل "غير مرجحة" لدرجة أن مسؤولي الاستخبارات الإسرائيلية قللوا حتى من عمليات التنصت على "حماس"، وخلصوا إلى أن ذلك كان مضيعة للوقت.ولم يستطع أي من الضباط الذين أجرت الصحيفة مقابلات معهم، بمن فيهم أولئك المتمركزون على طول الحدود، تذكر المناقشات أو التدريب بناء على خطة لصد مثل هذا الهجوم.وقال الجنرال الإسرائيلي المتقاعد والمستشار السابق للأمن القومي، يعقوب عميدرور، لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو: "على ما أذكر، لم تكن هناك خطة كهذه، فالجيش لا يجهز ذاته لأشياء يعتقد أنها مستحيلة". قال قيادي حركة "حماس" باسم نعيم إن الفلسطينيين "حققوا الكثير في إطار المشروع الفلسطيني الاستراتيجي" بعد هجوم 7 أكتوبر.. ما أبرز هذه المكاسب؟وقررت الحكومة الإسرائيلية أن الحرس المدني، المعروف باسم "كتات كونوت"، سيكون بمثابة خط الدفاع الأول في البلدات والقرى القريبة من الحدود، لكن على مدى سنوات، حذر الحرس من أن بعض وحداته سيئة التدريب وغير مجهزة، وفقاً لمسؤولين عسكريين إسرائيليين على معرفة مباشرة بفرق المتطوعين.بالإضافة إلى ذلك، لم يكن جنود الاحتياط العسكريون الإسرائيليون مستعدين للتعبئة والانتشار بسرعة، في حين وصف البعض التوجه جنوباً بأنه "مبادرة منهم". "تعال أنقذنا.. إنهم يقتلوننا"دافيد بن تسيون (38 عاماً)، رائد في الاحتياط، قال إن "جنود الاحتياط لم يتدربوا أبداً على الرد في أي لحظة على الاجتياح. وافترض التدريب أن الاستخبارات الإسرائيلية ستعلم باجتياح يلوح في الأفق مقدماً، ما يمنح جنود الاحتياط الوقت للاستعداد للانتشار".وأضاف: "ينص الإجراء على أن تكون الكتيبة جاهزة للقتال في غضون 24 ساعة. وهناك قائمة مرجعية للسماح بتوزيع كل شيء. لقد مارسنا هذا لسنوات عديدة". وسرعان ما علم الضباط وجنود الاحتياط الذين توجهوا جنوباً في صباح 7 أكتوبر، سواء بموجب أوامر أو بمفردهم، بالفوضى التي كانوا يدخلونها. وقاد الجنرال باراك حيرام، الذي كان من المقرر أن يتولى قيادة فرقة على طول حدود غزة، سيارته جنوباً ليرى بنفسه كيف رد الجنود على ما بدا وكأنه هجوم روتيني لـ"حماس".وتذكر حيرام في مقابلة مع الصحيفة الرسائل النصية التي تلقاها من الجنود الذين يعرفهم في المنطقة، مثل: "تعال أنقذنا"، و"أرسلوا الجيش، بسرعة، إنهم يقتلوننا"، و"آسف نحن نلجأ إليك، لقد نفدت أسلحتنا بالفعل"، و"غير مستعدين للمعركة". وكانت وحدات الكوماندوز من بين أول من احتشد في ذلك الصباح، وقال البعض إنهم هرعوا إلى القتال بعد تلقي رسائل تطلب المساعدة، أو علموا بعمليات التسلل عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، فيما كانت وحدات أخرى على أهبة الاستعداد، وتلقت أوامر تفعيل رسمية.ويشير صغر حجم الفرق القتالية إلى أن القادة أساءوا أساساً فهم التهديد، إذ انطلقت القوات بمسدسات وبنادق هجومية، وهو ما يكفي لمواجهة "عصابة من الإرهابيين" الذين يحتجزون الرهائن، ولكن ليس للدخول في معركة واسعة النطاق. وأظهرت وثائق داخلية، لم يتم الكشف عنها سابقاً، مدى سوء قراءة الجيش للوضع، لأنه حتى أثناء الهجوم، كان الجيش لا يزال يقدر أن "حماس"، في أحسن الأحوال، ستكون قادرة على اختراق السياج الحدودي الإسرائيلي في أماكن قليلة فقط.توغل سريع واختراق 30 موقعاًوأفادت وثيقة استخباراتية منفصلة، أعدت بعد أسابيع، بأن فرق "حماس" اخترقت السياج في أكثر من 30 موقعاً، وتوغلت بسرعة في عمق جنوب إسرائيل. وتدفق مقاتلو الحركة إلى إسرائيل بالرشاشات الثقيلة وقاذفات القنابل الصاروخية والألغام الأرضية وغيرها، وكانوا على استعداد للقتال عدة أيام. وقال يائير أنسباخر (40 عاماً)، وهو جندي احتياط في وحدة مكافحة الإرهاب شارك في قتال 7 أكتوبر: "كان للإرهابيين ميزة تكتيكية واضحة في قوة النيران"، مبيناً أنه وزملاءه استخدموا بشكل أساسي المسدسات والبنادق الهجومية وأحياناً بنادق القناصة. وكان الوضع "رهيباً" لدرجة أنه في الساعة 9 صباحاً، أصدر رئيس وكالة الأمن الداخلي الإسرائيلية (شاباك)، أمراً نادراً، وطلب من جميع الموظفين المدربين على القتال وحاملي الأسلحة أن يتوجهوا جنوباً، في حين لا يتفاعل "الشاباك" عادة مع الجيش، وقتلت "حماس" في ذلك اليوم 10 من نشطاء الوكالة، بحسب "نيويورك تايمز".وما زاد الأمر سوءاً هو اعتراف الجيش بأنه نقل سريتين من الكوماندوز، أي أكثر من 100 جندي، إلى الضفة الغربية قبل يومين فقط من الهجوم، وهو انعكاس لاعتقاد إسرائيل الخاطئ بأن الهجوم لم يكن تهديداً وشيكاً.يشهد الجيش الإسرائيلي جدلاً داخلياً بشأن ما إذا كانت تسجيلات الهجوم المباغت لحركة "حماس"، على إسرائيل في 7 أكتوبر، حُذفت من كاميرات المراقبة.وقدّر ضابط عسكري كبير أن حوالي نصف الجنود البالغ عددهم 1500 جندي في المنطقة كانوا بعيدين، موضحاً أنه أُعيد تعيين كتيبة مشاة أخرى قبل سنوات بعد أن انتهت إسرائيل من بناء جدار أمني حول غزة.ومن غير الواضح ما إذا كانت "حماس" تعلم أن الجيش يعاني من نقص في الأفراد، ولكن ذلك ثبت أن له عواقب وخيمة. وعندما بدأت الهجمات، كان العديد من الجنود يقاتلون من أجل حياتهم بدلاً من حماية السكان القريبين.وضع صعبوعملت الحركة بشكل استراتيجي لإضعاف ميزة إسرائيل في قوة النيران، واستهدفت الدبابات الإسرائيلية التي نفدت الذخيرة في عدد منها، تاركة الطواقم للقتال مع الجنود على الأرض، بحسب العميد هشام إبراهيم، قائد سلاح المدرعات.وفي حالة أخرى غطتها وسائل الإعلام الإسرائيلية على نطاق واسع، أطلقت "حماس" النار على مروحية إسرائيلية، ما أجبرها على الهبوط بالقرب من غزة، ونجا المظليون من الإصابة قبل أن تشتعل النيران في المروحية.وكل هذا كان ينبغي أن يكون علامة واضحة على أن إسرائيل تتعرض لهجوم واسع النطاق، وتواجه وضعاً صعباً، لكن "حماس" شنت ضربة استراتيجية أخرى في ذلك الصباح أعمت الجيش الإسرائيلي في لحظة حرجة.لقد فهمت "حماس" كيفية استخدام جغرافية إسرائيل ضد جيشها، بحسب "نيويورك تايمز"، التي قالت إنه على الرغم من حصار منطقة كيبوتس رعيم، لم تكن التعزيزات بعيدة، وكان آلاف الجنود على بعد أقل من 40 دقيقة من البلدات التي تعرضت للهجوم.ولكن، بينما انتظر المواطنون الإسرائيليون المذعورون في المخابئ، كان الجنود على الطريق السريع، ولم يتمكنوا من الوصول إليهم. يربط طريق سريع مركزي القواعد العسكرية في وسط وجنوب البلاد بالبلدات القريبة من غزة، ونصبت جيوب لمسلحي "حماس" كمائن على طول الطريق، كما تظهر عدة مقاطع فيديو، الأمر الذي دفع القادة الإسرائيليون إلى التردد بشأن إرسال الجنود، وفقاً لضابطين شاركا في المحادثات في ذلك الصباح. إنقاذ الناس بـ"مسدس"وتعمل وحدة الكوماندوز "ماجلان" النخبوية من قاعدة تبعد حوالي 25 دقيقة عن غزة، وقرر نائب قائدها تفعيل الوحدة في حوالي الساعة 6:30 صباحاً يوم 7 أكتوبر، وفقاً لضابط مطلع على العمليات في ذلك اليوم، لكن الفريق لم يتلق سوى القليل من التوجيه من كبار الجنرالات الإسرائيليين أو مقر فرقة غزة، الذي لم يدركوا أنه هو نفسه يتعرض للهجوم. وتخصصت قوات الكوماندوز التابعة لـ"ماجلان"، في العمل خلف خطوط العدو، لأن إسرائيل توقعت دائماً حدوث القتال، ولكن لم يتدرب أي منهم على الرد على الغزو، بحسب ضابط إسرائيلي، أشار إلى أنه لم تكن هناك "مهام ملموسة"، وطلب من الجنود "أخذ مسدس وإنقاذ الناس". وشاهد رفائيل حايون، البالغ من العمر 40 عاماً، والذي عاش مع والديه في نتيفوت، على بعد حوالي 5 أميال من غزة، مقاطع فيديو للهجوم على وسائل التواصل الاجتماعي، ونقل المعلومات إلى ضباط "ماجلان". وبدأ حايون إرسال رسائل عبر تطبيق "واتساب" من أشخاص يحاولون إنقاذ أطفالهم وأصدقائهم وأنفسهم، وجاء في إحدى الرسائل: "مرحباً رفائيل، نحن عالقون في حاوية قمامة بالقرب من موقع الحفلة. من فضلك تعال وأنقذنا. نحن 16 شخصاً". ونقل حايون تلك الرسائل إلى الكوماندوز، لكن القوات لم تدرك فداحة القتال، وقتل فريق "ماجلان" العديد من المسلحين بالقرب من قاعدة في زيكيم، شمال غزة مباشرة، ولم يدرك القادة حتى الساعة 11 صباحاً أن مقاتلي "حماس" اقتحموا كفر عزة، حيث وقعت بعض أسوأ المعارك. وجمع الجنود المعلومات، وطلب أحد قادة الفريق من الجنود على متن طائرة مروحية التحقق من قنوات تليجرام، والتقارير الإخبارية لاختيار الأهداف. قالت "نيويورك تايمز"، الخميس، إن إسرائيل كانت على علم بالهجوم المباغت الذي شنته حركة "حماس" الفلسطينية في السابع من أكتوبر الماضيوقال الرائد بن تسيون، ضابط الاحتياط، إن وحدة المظليين التابعة له غادرت قاعدتها في وسط إسرائيل، على مسافة ليست بعيدة عن تل أبيب، في قافلة حوالي الساعة 1:30 بعد الظهر.وجرت تعبئة الوحدة من تلقاء نفسها، دون أمر استدعاء رسمي. ولتوفير الوقت غادرت دون معدات الرؤية الليلية أو الدروع الواقية للبدن. وتوقع أن يرى الطرق مكتظة بالجنود والمعدات والعربات المدرعة متجهة جنوباً، لكنه قال في مقابلة مع الصحيفة: "كانت الطرق خالية!". وبعد حوالي 7 ساعات من القتال، التفت إلى جندي الاحتياط المجاور له، وسأل: "أين قوات الدفاع الإسرائيلية؟".