بعد نحو عشرة أعوام على تحرير بلدة جرف الصخر في محافظة بابل العراقية من سيطرة تنظيم داعش، ما زال سكانها بعيدين عنها رغم العديد من المطالبات بإعادتهم إلى ديارهم.فمنذ تحريرها من سيطرة داعش في 2014، تسيطر فصائل مسلحة متحالفة مع إيران على البلدة ذات الأغلبية السنية والواقعة على نهر الفرات على بعد 60 كيلومترا تقريبا جنوب بغداد.وضع غامض؟وبينما أكد سياسيون ومراقبون أن وضع المدينة بات "غامضا" بعد رفض الفصائل المسلحة عودة سكانها، وصف مقرب من تحالف الإطار التنسيقي الشيعي الذي شكل الحكومة العراقية الحالية هذه الأحاديث بأنها "تهويل إعلامي غايته الكسب الانتخابي".في السايق، قال النائب عن تحالف (العزم) السُني رعد الدهلكي لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) "جرف الصخر ما زالت تحت سيطرة الجماعات المسلحة التي تمنع عودة الأهالي إليها، كما يُمنع دخول أي مسؤول إليها، ولا حتى القوات العراقية الرسمية، وهذا أمر خطير جدا".كما اعتبر أن البلدة "أصبحت منطقة غامضة، فلا يعرف ما الذي يدور فيها وما الغاية من منع عودة أهاليها"، مشيرا إلى أن هذه المعطيات "تشير إلى وجود مشروع للتغيير الديموغرافي فيها". وأشار إلى أنه "رغم كل الوعود الحكومية بحل أزمة هذه المدينة، إلا أنها ما زالت وعودا فقط". وتابع قائلا "منطقة جرف الصخر، بعد تحريرها من سيطرة داعش منذ سنين، أصبحت آمنة ولا يوجد فيها حتى مضافات (فلول) للتنظيم أو خلايا إرهابية، وهذا الأمر يدعو إلى الإسراع بعودة أهالي تلك المنطقة وليس رفض عودتهم من دون أي مبررات حقيقية".الكلمة العليابدوره أكد الخبير العسكري مؤيد الجحيشي أن الفصائل المسلحة ما زالت هي صاحبة الكلمة العليا في قضاء جرف الصخر "وهذه الفصائل لا تسمح لأي قوة رسمية بدخول المنطقة ولا حتى لأي من المسؤولين في الحكومة، ولذا لم نر أي مسؤول يجري زيارة لها رغم مرور سنوات على تحريرها".كما لفت إلى أنه "يتردد أن هناك معسكرات وقواعد للفصائل المسلحة داخل جرف الصخر، وحتى مخازن للأسلحة، ولذا فدائما ما يتم استهدافها من قبل الولايات المتحدة في عمليات الرد على قصف مصالحها وأهدافها من قبل الفصائل، وكتائب حزب الله تحديدا هي المسيطر الأكبر على جرف الصخر".جريمة حربمن جهته، رأى الباحث السياسي يحيى الكبيسي أن ما يجري في جرف الصخر جريمة حرب. وقال "هناك الآلاف من أهالي تلك المنطقة ما زالوا غائبين بشكل قسري، وهذا يشكل أزمة إنسانية حقيقية رغم عدم وجود ما يمنع عودة الأهالي".كما أضاف قائلا "جرف الصخر تعتبر حاليا منطقة نفوذ للفصائل ومخازن لأسلحتها، ولا أحد يعرف ما فيها من معسكرات وأسلحة وقوات، فالمنطقة بعيدة عن أي رقابة حكومية، ولذا نجد هناك رفضا لعودة أهالي المنطقة، وهذا يعتبر من جرائم الحرب".في المقابل، وصف عائد الهلالي، القيادي في تحالف الإطار التنسيقي والقريب من الفصائل المسلحة، أن تلك الاتهامات مجرد "تهويل هدفه الكسب السياسي".هذه الاتهامات مجرد "تهويل هدفه الكسب السياسي"قيادي في الإطار التنسيقيكما أكد أن "الفترة الماضية شهدت عودة عشرات العائلات إلى جرف الصخر بعد التدقيق الأمني، خاصة في منطقة البحيرات، لكن المنطقة تُعتبر من الناحية الأمنية مهمة، كونها تمثل خاصرة للعاصمة بغداد ومحافظات النجف وبابل وكربلاء". وأوضح أن "القوات الموجودة في جرف الصخر هي ضمن ألوية الحشد الشعبي الرسمية. "وتابع قائلا "هذه قوات حكومية تنفذ تعليمات القائد العام للقوات المسلحة، وهناك مبالغة بشأن عدم السماح لأي جهة بدخول المنطقة رغم أن المنطقة مفتوحة وهناك قوات رسمية تتحرك داخلها بشكل طبيعي جدا، لكن المسؤولين لا يزورونها من أجل إثارة الرأي العام واستغلال الملف سياسيا وانتخابيا".وكثيرا ما تعهدت الحكومة العراقية بإعادة نازحي جرف الصخر إلا أن ذلك لم يتحقق. وأكدت وزيرة الهجرة والمهجرين إيفان فائق جابرو في أواخر العام الماضي أن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني يولي اهتماما لملف نازحي جرف النصر.فيما يطالب سياسيون سنة باستعادة السيطرة على المدينة من فصائل الحشد التي يقولون إنها تمنع عودة الأهالي، لاسيما أبو علي العسكري، المسؤول الأمني لكتائب حزب الله، المتهمة بالسيطرة على المدينة.تشتهر بالزراعةوكان العسكري قد اقترح في عام 2021 تكرار تجربة جرف الصخر في ناحية الطارمية الواقعة في شمال بغداد، وقرية المخيسة بمحافظة ديالى، بهدف ضمان استقرار وضعهما الأمني، وهي دعوة قوبلت بردود فعل غاضبة.يذكر أن الحشد الشعبي، وهو فصيل ينضوي تحته جماعات مسلحة معظمها شيعية تشكل في 2014 لمحاربة تنظيم داعش ويعمل الآن تحت مظلة الدولة، على المدينة اسم "جرف النصر" بعد هزيمة التنظيم هناك في 2014.ويبلغ تعداد سكان جرف الصخر، التي تشتهر بالزراعة وكثافة الأشجار، ما يقرب من 140 ألف نسمة.ولطالما كانت تلك المنطقة ذات البساتين المتشابكة بؤرة للتنظيمات المسلحة بعد الغزو الأميركي للعراق في 2003، وآخرها داعش الذي كان يطلق منها عملياته في بغداد ومحافظات وسط وجنوب البلاد.