ومسار الاحتجاجات أكد انقلاب "السحر الإيراني" على نفسه، وهو الذي عمد إلى قطع خطوط الكهرباء عن المحافظات الجنوبية، وزيادة "المد الملحي" القادم من أراضيه في مياه شط العرب.
وسعى النظام الإيراني من وراء ذلك إلى دفع سكان الجنوب العراقي إلى الاحتجاج على حكومة العبادي، للضغط باتجاه تشكيل تحالف حكومي طائفي يصب لصالحها، بعد النتائج المخيبة لحلفائها بالانتخابات.
ولم تعلم إيران أنها أججت، عوضاً عن ذلك، الوعي الوطني لدى متظاهري جنوب العراق، الذين تيقنوا أن النظام في طهران لا ينظر إليهم على أنهم حلفاء أو مقربون تحت يافطة الانتماء المذهبي.
وإنما يعتبر أرواحهم ومعاناتهم مجرد ورقة ضغط تستخدمها أو تحركها خدمة فقط لمصالحها، وإبقاء نفوذها في العراق عن طريق شخصيات وأحزاب فاسدة موالية للنظام الإيراني.
وهذه الحقيقة أدركها البصريون بشكل خاص والعراقيون بشكل عام منذ زمن، لكنهم كانوا بانتظار الدليل القاطع، والذي تمثل بإبلاغ طهران، في أوج أزمة معاناة سكان الجنوب العراقي، وفد الحكومة العراقية رفض إعادة تشغيل خطوط الطاقة المستوردة ولو بشكل مؤقت.
ليترجم سكان الوسط والجنوب دليل معرفتهم بنوايا طهران الخبيثة تجاههم إلى مهاجمة مصالح طهران في مختلف المحافظات، عن طريق حرق وضرب مقرات الأحزاب الموالية لها، لا سيما ميليشيات حزب الله وعصائب أهل الحق في النجف ومليشيات بدر والفضيلة في البصرة وميسان وذي قار والمثنى والديوانية.
بل أن الفعلة الإيرانية جاءت لتقوي حكومة العبادي بعد أن أصابها الوهن، ودفعتها للبحث عن بدائل لإنتاج الكهرباء وإقامة مشاريع تنموية عبر إطلاق التخصيصات المالية المطلوبة لذلك.
وأسقطت تظاهرات الجنوب أيضاً حاجز الخوف لدى المواطن البسيط من التعرض لميليشيات طهران في العراق، فبعد أن كان المواطن الجنوبي أسير أفعال تلك الجماعات بات هو من يبحث عنها ليقتص منها.
وباتت مقار وحمايات هذه الأحزاب تبحث عن ملاذ آمن، وتستنجد بالقوات الحكومية لحمايتها وحماية مقارها، بعد أن أصبحت المتهم الأول في جريمة قتل المتظاهرين، الذين كتبوا فصلاً جديداً من الانتفاضة العراقية على إيران.