لندن - (بي بي سي العربية): يدرك وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أن أفضل أيامه ربما أصبحت خلفه، تحديدا مع تحوّل الاتفاق النووي بين إيران والسداسية الدولية إلى عبء ثقيل على الحكومة والشارع الإيرانيين بإعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 8 مايو الماضي الانسحاب منه.
وباتت شعبية ظريف اليوم مبررا لخصومه للهجوم عليه أو للبحث عن أسباب لذلك، كما هي الحال في هذه الأيام مع إعلان 24 نائبا في مجلس الشورى الإيراني تقديم طلب لاستجواب وزير الخارجية إلى رئاسة المجلس، الأمر الذي يعني مقدمة لـ "طرح الثقة"به.
وتحجج التكتل النيابي لطلب الاستجواب بقول ظريف في مقابلة صحافية "إن في البلاد ظاهرة غسيل أموال". وقد رُبط ذلك أيضا بالخلاف بين التيارات السياسية المتناقضة بشأن تصديق إيران على مقررات مجموعة العمل المالي حول مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب وانتشار التسلح، والذي ردّه مجلس صيانة الدستور بعد تصديق البرلمان عليه.
وبدا قرار المجلس أكثر تماهيا مع الاتجاه الذي عبّر عنه المرشد الإيراني، آية الله علي خامنئي، قبل أشهر فيما يتعلق بهذا الملف.
ولم يكن من الصعب على الكتلة النيابية التي تقدمت بطلب الاستجواب وطرح الثقة أن تؤمن العدد المطلوب لمثل هذا الطلب، وهو توقيع عشرة نواب عليه.
بيد أنه ليُبت في أمر الملف بشكل نهائي كان عليه أن يمرّ على لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في المجلس والتي مثل أمامها ظريف يوم الأحد 2 ديسمبر.
وقد أعاد ظريف أمام تلك اللجنة التأكيد على ما قاله عن وجود ظاهرة تبييض أموال في إيران، مشيرا إلى أن غسيل الأموال "ظاهرة تنتشر في كل مكان من الكرة الأرضية"، وأن من يقوم بهذا العمل هم بالدرجة الأولى مهربو المخدرات والمخلون بالقانون والمختلسون.
ولم يفت ظريف أن يذّكر بأنه عندما يدافع عن بلاده في المحافل الدولية فهو يقوم بذلك من تلقاء نفسه وبواقعية، وهذه الواقعية هي ذاتها التي يعتمدها على حد تعبيره في قضية الكشف عن عمليات غسيل الأموال.
وقضية الاستجواب قد تكون أكثر تعقيدا مما تبدو عليه، فهي تجمع إلى جانب العنوان الرئيسي لها "أي كلام ظريف عن وجود غسيل أموال في إيران"، مسألة الخلاف على التصديق على مقررات مجموعة العمل المالي، واختلاف البعض مع ظريف على خلفية الاتفاق النووي.
ويضاف إلى ذلك السعي المستمر لتيار يتبع لرجل الدين المتشدد مصباح يزدي للإطاحة بحكومة الرئيس الإيراني حسن روحاني بأي ثمن ممكن.
ورفع يزدي، الذي كان داعما رئيسيا للرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد في سنوات حكمه، ومناصروه شعار إسقاط روحاني بأي ثمن.
ويتهم يزدي بإشعال شرارة الموجة الأولى للمظاهرات التي خرجت أواخر العام الماضي وبداية العام الحالي في مدينة مشهد، ثاني أكبر المدن الإيرانية.
كما عُرف بدعمه الكبير للمرشح الرئاسي الخاسر إبراهيم رئيسي وتعويله على فوزه للإطاحة بروحاني وفريقه.
ولعب تكتل ما يعرف بـ "جبهة الصمود" البرلماني والمتأثر بأفكار يزدي دورا رئيسا في إعداد ملف قضية استجواب ظريف، ولعل هذا ما دفع التيار الأصولي التقليدي في البرلمان وخارجه للنأي بنفسه عن القضية والتعبير ضمنا أو علنا عن استيائه من الخطوة وتداعياتها الممكنة على البلاد وعلى سياستها الخارجية.
وعزز ذلك اتجاه ذات التكتل في البرلمان لطلب استجواب رئيس مجلس الشورى علي لاريجاني، وهو واحد من أبرز الأصوليين التقليديين والمتحالف بشكل غير مباشر مع روحاني، والذي تضع التوقعات اسمه على رأس لائحة من سيُرشحهم للرئاسة في العام 2021 لخلافة الرئيس الحالي.
وأضحى المشهد السياسي الإيراني أكثر تعقيدا من أي وقت مضى، فالخطوط التي كانت سابقا تفصل بين الاتجاهات السياسية تضمحل تدريجيا لصالح تحالفات جديدة بدأت بالتشكل مع مجيء روحاني إلى الحكم في العام 2013 وإطلاقه تيار الاعتدال.
وبرزت هذه التحالفات بشكل خجول في الانتخابات الرئاسية الأخيرة في صيف 2017، ونتج عنها فوز روحاني على حساب إبراهيم رئيسي.
بيد أنها في الانتخابات النيابية القادمة في بدايات 2020 ربما تكون أكثر صراحة من السابق وتؤسس لتعاون أكثر تماسكا يجهز لمرحلة ما بعد روحاني، والذي بدوره يعوّل على تضافر جهود حلفائه وقدرتهم على التأثير في مجلس خبراء القيادة، تمهيدا لتحديات أكبر من رئاسة الجمهورية من غير المعلوم متى تستجد، لكنها إذا ما استجدت ستكون نقطة تحول ليس فقط في مسار إيران بل والمنطقة المحيطة بها، والقصد هنا غياب خامنئي وشغور موقع المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية.
وكان الرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني، قبل وفاته أوائل عام 2017، يتحدث عن مرحلة ما بعد المرشد الحالي، وضرورة الذهاب باتجاه صيغة جديدة للحكم تقوم على إنشاء مجلس قيادة،وهو ما ينص عليه الدستور الإيراني في حال عجز مجلس الخبراء عن اختيار شخص تجتمع فيه الصفات المطلوبة.
رحل رفسنجاني وخفت الحديث عن هذا الأمر، لاسيما أن المرشد خامنئي بدا في مناسبات عديدة في صحة جيدة، خاصة بعد زيارته للمناطق التي ضربها الزلزال في محافظة كرمانشاه في نوفمبر 2017. لكن خفوت صوت الحديث في هذا الأمر لم يُنهه، ودفع الفاعلين في ساحة الاستقطاب السياسي في البلاد إلى العمل بصمت خلف الكواليس لبناء واقع يناسبهم في اليوم الذي يلي حياة المرشد.
وتجلى المشهد في انتخابات 2017 عندما سعى الفريق الذي يقوده مصباح يزدي وإمام مدينة مشهد "أحمد علم الهدى" إلى إيصال رجل الدين إبراهيم رئيسي إلى سدة رئاسة الجمهورية، وكان الأخير يشغل منصب المدعي العام الإيراني السابق، وهو عضو حالي في مجلس خبراء القيادة الذي يتولى انتخاب المرشد، إضافة إلى كونه معينا من قبل خامنئي كمسؤول عن المؤسسة التي ترعى مقام الإمام علي بن موسى الرضا، الإمام الثامن لدى المسلمين الشيعة والمدفون في إيران، وهي واحدة من أكبر المؤسسات العامة في البلاد.
وفي المقابل، كان الإصلاحيون وتيار الاعتدال، فضلا عن فريق من الأصوليين التقليديين، يتلمسون خطرا على طموحاتهم في حال نجاح رئيسي في الوصول إلى الرئاسة، فذلك سيعني ببساطة تجهيزه ليصبح الولي الفقيه المستقبلي، خاصة وأنه دون الستين من العمر، ويحظى بدعم من جهات داخل الحرس الثوري ولديه تأثير على بعض اللوبيات المحيطة ببيت المرشد.
ودفعهم ذلك إلى العمل بشتى الوسائل الممكنة لحشد الأصوات لتنتهي المعركة بفوز روحاني في الانتخابات التي وُصفت حينها بأنها أبعد من الرئاسة.
لذلك، فإن سلّم الفريق الخاسر بهزيمته في المعركة، فهو لم يستسلم في الحرب التي تحولت مع الوقت إلى رقعة شطرنج كبيرة، ولعله أراد بخطوته الأخيرة بمحاولة طرح الثقة بظريف في مجلس الشورى، إسقاط الوزير ليسهل عليه أن يقول لروحاني في وقت لاحق، كش ملك.
وباتت شعبية ظريف اليوم مبررا لخصومه للهجوم عليه أو للبحث عن أسباب لذلك، كما هي الحال في هذه الأيام مع إعلان 24 نائبا في مجلس الشورى الإيراني تقديم طلب لاستجواب وزير الخارجية إلى رئاسة المجلس، الأمر الذي يعني مقدمة لـ "طرح الثقة"به.
وتحجج التكتل النيابي لطلب الاستجواب بقول ظريف في مقابلة صحافية "إن في البلاد ظاهرة غسيل أموال". وقد رُبط ذلك أيضا بالخلاف بين التيارات السياسية المتناقضة بشأن تصديق إيران على مقررات مجموعة العمل المالي حول مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب وانتشار التسلح، والذي ردّه مجلس صيانة الدستور بعد تصديق البرلمان عليه.
وبدا قرار المجلس أكثر تماهيا مع الاتجاه الذي عبّر عنه المرشد الإيراني، آية الله علي خامنئي، قبل أشهر فيما يتعلق بهذا الملف.
ولم يكن من الصعب على الكتلة النيابية التي تقدمت بطلب الاستجواب وطرح الثقة أن تؤمن العدد المطلوب لمثل هذا الطلب، وهو توقيع عشرة نواب عليه.
بيد أنه ليُبت في أمر الملف بشكل نهائي كان عليه أن يمرّ على لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في المجلس والتي مثل أمامها ظريف يوم الأحد 2 ديسمبر.
وقد أعاد ظريف أمام تلك اللجنة التأكيد على ما قاله عن وجود ظاهرة تبييض أموال في إيران، مشيرا إلى أن غسيل الأموال "ظاهرة تنتشر في كل مكان من الكرة الأرضية"، وأن من يقوم بهذا العمل هم بالدرجة الأولى مهربو المخدرات والمخلون بالقانون والمختلسون.
ولم يفت ظريف أن يذّكر بأنه عندما يدافع عن بلاده في المحافل الدولية فهو يقوم بذلك من تلقاء نفسه وبواقعية، وهذه الواقعية هي ذاتها التي يعتمدها على حد تعبيره في قضية الكشف عن عمليات غسيل الأموال.
وقضية الاستجواب قد تكون أكثر تعقيدا مما تبدو عليه، فهي تجمع إلى جانب العنوان الرئيسي لها "أي كلام ظريف عن وجود غسيل أموال في إيران"، مسألة الخلاف على التصديق على مقررات مجموعة العمل المالي، واختلاف البعض مع ظريف على خلفية الاتفاق النووي.
ويضاف إلى ذلك السعي المستمر لتيار يتبع لرجل الدين المتشدد مصباح يزدي للإطاحة بحكومة الرئيس الإيراني حسن روحاني بأي ثمن ممكن.
ورفع يزدي، الذي كان داعما رئيسيا للرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد في سنوات حكمه، ومناصروه شعار إسقاط روحاني بأي ثمن.
ويتهم يزدي بإشعال شرارة الموجة الأولى للمظاهرات التي خرجت أواخر العام الماضي وبداية العام الحالي في مدينة مشهد، ثاني أكبر المدن الإيرانية.
كما عُرف بدعمه الكبير للمرشح الرئاسي الخاسر إبراهيم رئيسي وتعويله على فوزه للإطاحة بروحاني وفريقه.
ولعب تكتل ما يعرف بـ "جبهة الصمود" البرلماني والمتأثر بأفكار يزدي دورا رئيسا في إعداد ملف قضية استجواب ظريف، ولعل هذا ما دفع التيار الأصولي التقليدي في البرلمان وخارجه للنأي بنفسه عن القضية والتعبير ضمنا أو علنا عن استيائه من الخطوة وتداعياتها الممكنة على البلاد وعلى سياستها الخارجية.
وعزز ذلك اتجاه ذات التكتل في البرلمان لطلب استجواب رئيس مجلس الشورى علي لاريجاني، وهو واحد من أبرز الأصوليين التقليديين والمتحالف بشكل غير مباشر مع روحاني، والذي تضع التوقعات اسمه على رأس لائحة من سيُرشحهم للرئاسة في العام 2021 لخلافة الرئيس الحالي.
وأضحى المشهد السياسي الإيراني أكثر تعقيدا من أي وقت مضى، فالخطوط التي كانت سابقا تفصل بين الاتجاهات السياسية تضمحل تدريجيا لصالح تحالفات جديدة بدأت بالتشكل مع مجيء روحاني إلى الحكم في العام 2013 وإطلاقه تيار الاعتدال.
وبرزت هذه التحالفات بشكل خجول في الانتخابات الرئاسية الأخيرة في صيف 2017، ونتج عنها فوز روحاني على حساب إبراهيم رئيسي.
بيد أنها في الانتخابات النيابية القادمة في بدايات 2020 ربما تكون أكثر صراحة من السابق وتؤسس لتعاون أكثر تماسكا يجهز لمرحلة ما بعد روحاني، والذي بدوره يعوّل على تضافر جهود حلفائه وقدرتهم على التأثير في مجلس خبراء القيادة، تمهيدا لتحديات أكبر من رئاسة الجمهورية من غير المعلوم متى تستجد، لكنها إذا ما استجدت ستكون نقطة تحول ليس فقط في مسار إيران بل والمنطقة المحيطة بها، والقصد هنا غياب خامنئي وشغور موقع المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية.
وكان الرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني، قبل وفاته أوائل عام 2017، يتحدث عن مرحلة ما بعد المرشد الحالي، وضرورة الذهاب باتجاه صيغة جديدة للحكم تقوم على إنشاء مجلس قيادة،وهو ما ينص عليه الدستور الإيراني في حال عجز مجلس الخبراء عن اختيار شخص تجتمع فيه الصفات المطلوبة.
رحل رفسنجاني وخفت الحديث عن هذا الأمر، لاسيما أن المرشد خامنئي بدا في مناسبات عديدة في صحة جيدة، خاصة بعد زيارته للمناطق التي ضربها الزلزال في محافظة كرمانشاه في نوفمبر 2017. لكن خفوت صوت الحديث في هذا الأمر لم يُنهه، ودفع الفاعلين في ساحة الاستقطاب السياسي في البلاد إلى العمل بصمت خلف الكواليس لبناء واقع يناسبهم في اليوم الذي يلي حياة المرشد.
وتجلى المشهد في انتخابات 2017 عندما سعى الفريق الذي يقوده مصباح يزدي وإمام مدينة مشهد "أحمد علم الهدى" إلى إيصال رجل الدين إبراهيم رئيسي إلى سدة رئاسة الجمهورية، وكان الأخير يشغل منصب المدعي العام الإيراني السابق، وهو عضو حالي في مجلس خبراء القيادة الذي يتولى انتخاب المرشد، إضافة إلى كونه معينا من قبل خامنئي كمسؤول عن المؤسسة التي ترعى مقام الإمام علي بن موسى الرضا، الإمام الثامن لدى المسلمين الشيعة والمدفون في إيران، وهي واحدة من أكبر المؤسسات العامة في البلاد.
وفي المقابل، كان الإصلاحيون وتيار الاعتدال، فضلا عن فريق من الأصوليين التقليديين، يتلمسون خطرا على طموحاتهم في حال نجاح رئيسي في الوصول إلى الرئاسة، فذلك سيعني ببساطة تجهيزه ليصبح الولي الفقيه المستقبلي، خاصة وأنه دون الستين من العمر، ويحظى بدعم من جهات داخل الحرس الثوري ولديه تأثير على بعض اللوبيات المحيطة ببيت المرشد.
ودفعهم ذلك إلى العمل بشتى الوسائل الممكنة لحشد الأصوات لتنتهي المعركة بفوز روحاني في الانتخابات التي وُصفت حينها بأنها أبعد من الرئاسة.
لذلك، فإن سلّم الفريق الخاسر بهزيمته في المعركة، فهو لم يستسلم في الحرب التي تحولت مع الوقت إلى رقعة شطرنج كبيرة، ولعله أراد بخطوته الأخيرة بمحاولة طرح الثقة بظريف في مجلس الشورى، إسقاط الوزير ليسهل عليه أن يقول لروحاني في وقت لاحق، كش ملك.