الاندبندنتفي ذروة ما عُرف بـ "الربيع العربي"، كان لافتاً انفتاح الولايات المتحدة على إيران، ووصف إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، جماعة الإخوان المسلمين بـ "الإسلاميين المعتدلين"، في رؤية ألقت بظلالها على طبيعة العلاقات بين واشنطن وحلفائها العرب الإستراتيجيين، وفي مقدمتهم السعودية ومصر.
وبينما يستقبل العالم في غضون أيام، رئيساً أميركياً جديداً، كان الرجل الثاني في آخر إدارة ديمقراطية، يرتبط ذكرها بثورات أججت الانقسام في الشرق الأوسط، تزداد التكهنات حول المسار الجديد للسياسة الخارجية الأميركية بعد رحيل الرئيس دونالد ترمب.
وفيما كرس الرئيس ترمب الانكفاء على الداخل بعد فوزه بانتخابات 2016، متعهداً بتوجيه دفة الاتفاقات الدولية لتصب في مصلحة كل ما هو أميركي، جاء بايدن، بأجندة مختلفة تهدف إلى إعادة المكانة الدولية للولايات المتحدة، كزعيمة للعالم الحر. وبقدر ما تتفق هذه الرؤية مع توجه الحزب الديمقراطي، الذي يعتبر أن إدارة ترمب، اختطفت جوهر البلاد، فإنها تثير أيضاً مخاوف المراقبين من أن تكون ولاية الرئيس السادس والأربعين، نسخة كربونية من رئاسة أوباما، إذ قد يعني إحياء بايدن لسياسات أوباما، أربع سنوات مقبلة، تكون فيها الإدارة الأميركية متصالحة مع جماعة الإخوان، وأكثر انفتاحاً على إيران، المتهمة بتمويل جماعات متطرفة في العالم العربي.
لاختبار الافتراضات المطروحة، وإلقاء الضوء على موقف بايدن من الملفات التي ستحدد موقع الولايات المتحدة في المنطقة، وفي طليعتها العلاقة مع إيران، أجرت "اندبندنت عربية" حواراً مع مجيد رفيع زادة، الباحث الأميركي ذي الأصول الإيرانية في جامعة هارفارد، ورئيس المجلس الأميركي الدولي للشرق الأوسط، الذي تحدث عن رؤيته لسياسات الإدارة الجديدة، وتطرق إلى أبرز المرشحين لخلافة المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، الذي تتردد شائعات عن تدهور صحته، بالإضافة إلى الانفراجة التي تعيشها دول الخليج الست، وتداعيات الموقف الأوروبي الداعم للاتفاق النووي، على الرغم من انسحاب الولايات المتحدة عام 2018.
ومجيد رفيع زادة، من الشخصيات الإيرانية الأميركية البارزة، التي عُرفت بأطروحاتها المنتقدة للنظام الإيراني، في وسائل إعلام محلية ودولية مثل "سي إن إن" و"فوكس نيوز"، ويستند في نشاطه الداعم لحقوق الإنسان إلى تجربته الشخصية في النشوء في إيران وسوريا في فترة مضطربة، وكفاحه لتجنب الاعتقال بسبب آرائه، ويعتقد زادة أن معرفته التي تجذرت بين ثقافتين، فهو يتحدث اللغتين العربية والفارسية بالإضافة إلى الإنجليزية، أعطته نظرة عميقة على التقاليد الاجتماعية والدينية والسياسية للعالمين العربي والفارسي.
إرث أوباما
قبل التطرق لسياسات الإدارة الأميركية الجديدة التي يبدأ نشاطها في 20 يناير (كانون الثاني)، فضل زادة، البدء من تبعات وصف إدارة الرئيس أوباما، جماعة الإخوان المسلمين بـ"الإسلاميين المعتدلين"، فقال، "إن هذا التقييم كان ذا تأثير كبير ومدمر على الشرق الأوسط، ولا يزال محسوساً حتى اليوم، إذ أن القبول الساذج للتشويه السياسي المتشدد للدين الإسلامي فاقم الانقسام في جميع أنحاء المنطقة". وأضاف أن "إدارة عديمة الخبرة نسبياً افترضت أن "الربيع العربي" سيشهد ازدهار الديمقراطيات الوليدة والمتسامحة والليبرالية، بينما كان الأمر واضحاً لأي شخص يفهم تعقيدات وخصائص المنطقة أن القوى الراديكالية غير المهتمة بتمكين الجماهير كانت تنتظر في الصفوف الجانبية لملء الفراغ المحتوم".
وعن الشرق الأوسط بعد إدارة أوباما، ذكر زادة أن "الاندفاع إلى التسامح مع أو احتضان النشطاء الراديكاليين في عهد الرئيس الديمقراطي لم يجعل المنطقة مكاناً أكثر أماناً وازدهاراً وديمقراطية، فالعواقب كانت موجودة ليراها الجميع، سوريا ممزقة إلى أشلاء بسبب الحرب الأهلية المدمرة، وتركيا الراديكالية المتزايدة يوماً بعد يوم بنت سمعتها كملاذ آمن للمتطرفين، وإيران التي لم يمر برنامجها الصاروخي وتمويلها لوكلائها في المنطقة من دون عوائق فحسب، بل نما بفضل الشروط السخية لخطة العمل الشاملة المشتركة".
بايدن وإيران
ومن الملفات التي تسودها ضبابية كبيرة، شكل العلاقة بين الإدارة الأميركية الجديدة وإيران، وبالنسبة إلى الباحث في جامعة هارفارد، فإن النهج الذي يتبعه بايدن في التعامل مع طهران سيحدد موقع واشنطن في الشرق الأوسط لعقود قادمة، ويبدو له بأن الرئيس المنتخب سوف يكرر سياسة أوباما الخارجية، ولذلك يجدد التأكيد على ضرورة "عدم تقديم أي نوع من القبول الضمني الذي رأيناه في الماضي لإيران والجماعات المتطرفة، إذا أرادت الولايات المتحدة تجنب زعزعة استقرار بعض أقرب حلفائها وعدم منح روسيا والصين يداً أكثر حرية".
وبينما كان لافتاً في الآونة الأخيرة، تصريح وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، الذي شدد على إشراك دول المنطقة في أي مفاوضات محتملة بين واشنطن وطهران حول اتفاق جديد، توقّع زادة بأن تكون عودة بايدن إلى الاتفاق النووي، بنفس بنود وملامح اتفاق 2015، بل وربما بمزيد من التنازلات الممنوحة لإيران، معتبراً أن "استبعاد دول الجوار في المفاوضات التي قادتها إدارة أوباما أدى إلى اتفاق معيب، فشل في الاعتراف بمخاوف الدول العربية بشأن برنامج إيران الصاروخي، وتمويل جماعات عنيفة داخل أراضيهم والمناطق المجاورة لها".
وكان الرئيس المنتخب جو بايدن، أعرب عن رغبته في العودة إلى تطبيق مضامين الاتفاق النووي مع إيران وفق شروط معينة، وهو الأمر الذي تحاول إدارة ترمب منعه، من خلال تنبيه الإدارة المقبلة بالخطر الإيراني على المصالح الأميركية، والتأكيد أن سياسة "الضغط الأقصى" هي الإستراتيجية المثلى. ووفق مراقبين، من آخر تلك المحاولات، اتهام وزير الخارجية مايك بومبيو، إيران، باحتوائها تنظيم القاعدة، والسماح له بتأسيس "مقر رئيس جديد" هناك، في حين ترفض طهران هذه الاتهامات بوصفها "أكاذيب".
وفيما يرى مراقبون أن مهمة بايدن في إحياء الاتفاق النووي ستكون أكثر تعقيداً بعد إعلان إيران زيادة نسبة تخصيب اليورانيوم في مستهل الشهر الحالي، كشف الباحث الأميركي، أن الرئيس المنتخب لن يواجه صعوبة في الرجوع إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، لأن طهران تسعى بشدة إلى العودة إلى الاتفاق، نظراً لأن استمرار قبضة النظام على السلطة مرهون بالتعافي الاقتصادي، وأشار إلى أن "إيران تزيد من انتهاكاتها، لتهديد المجتمع الدولي وابتزازه، ودفع الرئيس المنتخب إلى الاتفاق النووي والحصول على مزيد من التنازلات".
ورداً على ما أورده موقع "أتلانتك كاونسل"، ومراقبون من أن سياسة "الضغوط القصوى"، التي اعتمدها ترمب في التعامل مع إيران لم تسفر عن النتائج التي كانت تأملها الولايات المتحدة، بالإضافة إلى فشل واشنطن في تمديد حظر بيع السلاح لإيران أمام مجلس الأمن، شدد زادة على ضرورة استمرار نهج الضغط الأقصى كونه "أسهم في إفلاس النظام الإيراني اقتصادياً وسياسياً، وجعل إيران تجد صعوبة بالغة في تمويل جماعاتها الإرهابية" وجدد تحذيره من أن يتبنى بايدن سياسة أكثر ليونة من سلفه.
وعن موقف أوروبا المؤيد للاتفاق النووي، أبدى رئيس المجلس الأميركي الدولي للشرق الأوسط، استغرابه من تردد الاتحاد الأوروبي في التخلي عن خطة العمل الشاملة المشتركة، وعدَّ "الاغتيالات الإيرانية ومخططات التفجير على الأراضي الأوروبية بمثابة جرس إنذار لصناع السياسة"، وأضاف، "إذا لم يغير الاتحاد الأوروبي موقفه، فيمكننا توقع مزيد من الاغتيالات السياسية خلال الأشهر والسنوات المقبلة"، مؤكداً ضرورة "بناء جبهة موحدة، لتوليد قبضة اقتصادية خانقة تجبر طهران على التركيز على أجندتها المحلية".
الصلح الخليجي لا يخدم طهران
حين أعلنت السعودية وحلفاؤها قبل أكثر من أسبوع، عودة العلاقات مع قطر، بعد إجماع قادة الدول الخليجية الست في القمة، التي احتضتنها مدينة العلا على تنحية الخلافات جانباً، لتنتهي أزمة دبلوماسية استمرت أكثر من ثلاث سنوات، هنأ وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الدوحة، على ما وصفه بـ "نجاح مقاومتها الشجاعة للضغط والابتزاز".
ما بعد تصريح المسؤول الإيراني، هناك من تساءل، عن كيف يمكن لقطر إصلاح العلاقات مع السعودية والحفاظ في الوقت نفسه على التقارب مع النظام الإيراني، الذي بلغ ذروته أثناء فترة المقاطعة؟ أجاب زادة، "على الرغم من خطاب النظام الإيراني، فإن أحد مخاوفه الرئيسة هو أن يكون لدول المنطقة جبهة موحدة ضده، ولهذا يحاول تقسيم الدول العربية"، ومن المؤكد أن إعادة ترتيب التحالفات الأخيرة في الشرق الأوسط، قد أثار قلق إيران وزادت من عزلتها. والأهم من ذلك، أنها شككت في شرعية إيران وشعبيتها ومصداقيتها".
وأقر أنه "من الصعب على قطر التعامل مع النظام الإيراني أو ميليشياته، وفي نفس الوقت الحفاظ على علاقات جيدة مع دول الخليج الأخرى، لأن إيران وميليشياتها تشن بشكل روتيني هجمات ضد المدنيين وتمول التمرد ضد الحكومات المعترف بها دولياً"، مضيفاً، "إذا اعتقدت الدوحة أن بإمكانها كسب ود إيران من خلال التعامل مع هذه الميليشيات كشركاء وليس كأعداء، كما فعلت في قضية الفدية، فإنها ستهدد علاقاتها مع دول الخليج".
وعما إذا كانت المتغيرات الأخيرة سوف تمهد لنهاية محوري الشرق الأوسط، إيران وتركيا وقطر مقابل السعودية والإمارات ومصر، قال، "أعتقد أنه سيكون لديك دائماً محوران متعاكسان في الشرق الأوسط، طالما أن رجال الدين الحاكمين في إيران على رأس السلطة، فحتى لو خسرت إيران قطر وتركيا، فإنها ستستمر باستخدام مليشياتها لتقسيم المنطقة وزعزعة الاستقرار". لافتاً إلى أن "أسلوب عمل النظام الإيراني هو استغلال الفوضى والاستفادة منها وتوظيف أجندته الطائفية لتقسيم وحكم المنطقة، التي يراها من منظور أن الشيعة مقابل السنة، والعرب مقابل الفرس، والموالين للغرب في مقابل الغرب، وبسبب هذه الفئات الثلاث، سيخلق النظام دائماً محورين متعاكسين في الشرق الأوسط".
المواجهة مع واشنطن
بالتزامن مع الذكرى السنوية الأولى لمقتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، نقلت وسائل إعلام أميركية عن مسؤولين في واشنطن، أن إيران تنوي شن هجوم على القوات والمصالح الأميركية في الشرق الأوسط. وعن مدى قرب الولايات المتحدة وإيران من مواجهة مباشرة، قال زادة، "لا أعتقد أنهما ستدخلان في حرب، لأن أي حرب بين واشنطن وطهران ستكون انتحارية للنظام الإيراني، الذي لا يستطيع تحملها بسبب دونيته العسكرية، والعزلة في المنطقة، وعدم الشعبية داخل إيران"، لكنه يرى أن "طهران ستلجأ إلى أسلوب عملها في الحرب غير المتكافئة، بنشر الوكلاء لمهاجمة المصالح الأميركية".
لكن ما هو مثير أن طهران، التي تباهي بترسانتها العسكرية، لم تحرك ساكناً للرد على سلسلة الانفجارات الغامضة التي شهدتها منشآت حساسة في يوليو (تموز) الماضي، ولم تتخذ إجراء واحداً ضد أي قوة خارجية بعد حادثة الاغتيال التي تعرض لها كبير علماء الذرة النوويين محسن فخري زادة، ولفهم البرود الإيراني في هذا الشأن، أشار الباحث الأميركي إلى أن "النظام الإيراني صبور عندما يتعلق الأمر بالانتقام، ويحسن اللعبة الطويلة"، مفترضاً أن السبب الرئيس الذي أجبر النظام على التزام الصمت في الأشهر الأخيرة هو "الخوف من أن يؤدي أي سوء تقدير إلى حرب مع إسرائيل والولايات المتحدة، تكون بمثابة انتحار سياسي لرجال الدين المستحوذين على السلطة".
وأضاف زادة سبباً آخر هو رغبة النظام الإيراني، في منع ترمب من إحراز نصر سياسي وعسكري، يرفع من حظوظه قبل الانتخابات الرئاسية، لكن هذا الوضع على حد تعبيره، سوف "يتغير بتولي بايدن منصبه، إذ من المرجح أن تصبح إيران أكثر عدوانية ونزعة للانتقام لإدراكها أن بايدن لا يريد حرباً مع إيران".
ومن جانبه، دافع وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف عن بلاده، متهماً الرئيس الأميركي دونالد ترمب، بـ"السعي لإيجاد ذريعة لشن هجوم على إيران"، وتعهد ظريف أن تدافع طهران عن نفسها، على الرغم من أنها لا تسعى إلى الحرب.
الصين تنحاز لمصالحها
وعما إذا كان بمقدور الصين إنقاذ إيران من وطأة العقوبات الأميركية، بعد بروز اتفاقات بين بكين وطهران لتعزيز التعاون الاقتصادي، قال زادة إن "الصين ليس بمقدورها مساعدة إيران للنجاة من العقوبات الأميركية لسببين، الأول هو أن اقتصادها وعملتها يشهدان سقوطاً حراً على الرغم من دعم البلد الآسيوي، والثاني، وجود دول كثيرة من بينها الصين تخشى من تداعيات انتهاك العقوبات الأميركية، كما أن هناك أوقاتاً انحازت فيها بكين إلى جانب الولايات المتحدة، مثل الجولات الأربع من عقوبات الأمم المتحدة ضد إيران للحفاظ على مصالحها الاقتصادية، وهذا يدل على أن الصين تعتبر اقتصادها الأولوية".
تداعيات موت خامنئي
لطالما اعتُبرت حالة المرشد الأعلى لإيران، علي خامنئي، مسألة حاسمة للأمن القومي، ومنذ سنوات تتواتر شائعات حول ظروفه الصحية، وسط تكتم رسمي. عن تبعات هذا الظرف، توقع رئيس المجلس الأميركي الدولي للشرق الأوسط، في اليوم الذي يموت فيه خامنئي، حدوث انتفاضة على الصعيد الوطني ضد النظام بهدف إسقاط المؤسسة الدينية.
وفي حال فشل تسمية المرشد، يمنح الدستور الإيراني عديداً من الهيئات السياسية الحاسمة دوراً في تحديد من سيخلف خامنئي، لكن الحرس الثوري الإيراني، يملك سلطة سياسية واقتصادية أكبر من المؤسسات الأخرى، على الرغم من عدم تمتعها بسلطة دستورية في هذا الشأن، وبحسب زادة، فإن نخب الحرس الثوري تبحث عن شخص يمكنهم السيطرة عليه وليس مرشداً يتحدى سلطته، رجل دين غير بارز يدعم بشكل كامل أنشطة الحرس الثوري، والاحتكار السياسي والاقتصادي، وأهدافاً مثل تعزيز البرنامج النووي وتعزيز طموحات الهيمنة الإقليمية.
ورجح الباحث المتخصص في الشأن الإيراني أن يصبح إبراهيم رئيسي الذي يشغل حالياً منصب رئيس السلطة القضائية، المرشد الأعلى بعد خامنئي، على الرغم من أنه أقل في التأثير من مرشحين، بعضهم توفي، مثل محمود هاشمي شهرودي (عضو في الحرس الثوري الإيراني ورئيس سابق للسلطة القضائية)، ومجتبى خامنئي (الابن الثاني للمرشد الأعلى)، ومحمد تقي مصباح يزدي (رجل دين متشدد)، ومحمد رضا مهدوي كني (رجل دين محافظ ورئيس مجلس الخبراء)، لكن من غير المرجح أن يكون أي من هذه الشخصيات المؤهلة لتحل محل خامنئي، خياراً لكادر الحرس الثوري الإيراني، لأنها تتمتع بقاعدة اجتماعية وسياسية خاصة. بمعنى آخر، قد يشكلون تحدياً كبيراً لحكم واستقلالية قادة الحرس الثوري، وحتى مجلس صيانة الدستور ومجلس تشخيص مصلحة النظام.
وذكر أنه "عندما حل خامنئي محل المرشد الأعلى السابق ومؤسس الجمهورية الإسلامية، الخميني، في عام 1989، كان من بين أقل المرشحين المؤهلين مقارنة مع الأشخاص المؤثرين مثل آية الله منتظري، وكانت سلطته الإلهية وشرعيته ومصداقيته موضع تساؤل شديد من قبل رجال الدين رفيعي المستوى في مدينة قم، ولم يكن خامنئي حتى مرجعاً أو مجتهداً قادراً على إصدار الفتوى. كما كان يُعتبر مرشداً أعلى ضعيفاً يفتقر إلى الكاريزما مقارنة مع الخميني. وعلى الرغم من أن الدستور الإيراني أكد على السلطة الدينية ومؤهلات المرشد الأعلى، فإن تعيين خامنئي كان بالتأكيد خطوة سياسية وليست دينية".
وأضاف، "على الرغم من ضعف خامنئي في البداية، إلا أنه كان ناجحاً بشكل غير متوقع، وتمكن من تهميش رجال الدين رفيعي المستوى الذين عارضوه، وخلق دائرته الداخلية ومكتب السياسة الخارجية، وعقد تحالفاً قوياً مع الحرس الثوري الإيراني للسيطرة على المعارضة. ومع مرور الوقت، تغيرت وجهات نظره أيضاً، وصار أكثر تفضيلاً للوصول إلى القدرات النووية، وأكثر معاداةً للولايات المتحدة. بعبارة أخرى، خلق بنية سياسية هي مزيج من الديكتاتورية العسكرية والثيوقراطية".
واستبعد إلغاء منصب المرشد الأعلى بعد موت خامنئي، لأن "الأساس التأسيسي للجمهورية الإسلامية والإسلام الشيعي" على حد تعبيره، راسخ في مفهوم ولاية الفقيه، الذي قدمه آية الله الخميني، بالتالي، فإن مثل هذا السيناريو غير ممكن، لكن المرجح أن يبحث قادة الحرس الثوري الإيراني عن مرشح ذي شخصية غير قوية أو مؤثرة، يشبه المرشد الأعلى لإيران في السنوات الأولى من حكمه، حتى يحظى الحرس الثوري بحرية التحكم في الشؤون السياسية والاقتصادية.
وفي مراجعة لكتاب نشره مجيد رفيع زادة عام 2015، يسرد فيه معاناة أمه بشكل خاص، والمرأة بشكل عام في مواجهة الهيمنة الذكورية، وردت هذه التساؤلات، "هل يتغلب التحمل والشجاعة على الإساءة اليومية؟ هل يتمكن وطن متداعٍ من حرمان الصبي من حقه في الهوية؟ هل سيمحو كل أحلام المستقبل"؟
قطع تدفق التساؤلات، سؤالي له عن الثمن الذي يتوجب على الإيرانيين دفعه لتغيير النظام، فأجاب، "لقد بذل المواطنون الإيرانيون قصارى جهدهم لاستعادة السيطرة على بلادهم من الثيوقراطيين، وقد حققوا تقدماً ملحوظاً، في مسعاهم لمحاسبة النظام على أخطائه وسوء إدارته وجرائمه، التي كان منها مقتل ما يقدر بنحو 1500 شخص في احتجاجات نوفمبر (تشرين الثاني) 2019". لكنه عاد ليستنكر صمت المجتمع الدولي حينها، مشدداً على ضرورة أن "يُسأل صانعو السياسة في أوروبا والولايات المتحدة عن مقدار ما يمكن أن ينجزه هؤلاء الأشخاص في ظل وجود دعم أجنبي لقضيتهم الديمقراطية".
وفي سياق معاناة الشعب الإيراني، استشهد الباحث الأميركي المتحدر من أصول إيرانية، بالتهديدات التي تلقاها بعض أفراد أسرته، ومحاولة استدراجه بسبب كتاباته المناهضة، قائلاً، "لقد هدد النظام عائلتي، بأنه إذا لم أتوقف عن أنشطتي، فستطولهم عواقب وخيمة، لقد سجن وعذب بعض منهم بمن فيهم والدي، وأعتقد أنه يراقب ويستمع إلى كل محادثة تجريها أسرتي عبر الهاتف أو في وسائل التواصل الاجتماعي، كما سبق لمسؤولين في طهران أن حاولوا استدراجي إلى إيران وبلدان مجاورة من خلال إغرائي بمناصب عليا، لكنني لم أستجب لمطالبهم، فأنا أفضل العيش في فقر مدقع، والمخاطرة بحياتي، على الوقوف مع هذا النظام المعروف بجرائمه ضد الإنسانية".